القول في تأويل قوله تعالى : (
إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون ( 10 )
قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل ( 11 ) )
يقول - تعالى ذكره - : إن الذين كفروا بالله ينادون في النار يوم القيامة إذا دخلوها ، فمقتوا بدخولهموها أنفسهم حين عاينوا ما أعد الله لهم فيها من أنواع العذاب ، فيقال لهم : لمقت الله إياكم - أيها القوم في الدنيا ، إذ تدعون فيها للإيمان بالله فتكفرون - أكبر من مقتكم اليوم أنفسكم لما حل بكم من سخط الله عليكم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد قوله : (
لمقت الله أكبر ) قال : مقتوا أنفسهم حين رأوا أعمالهم ، ومقت الله إياهم في الدنيا - إذ يدعون إلى الإيمان - فيكفرون أكبر .
[ ص: 359 ]
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : (
إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون ) يقول : لمقت الله أهل الضلالة - حين عرض عليهم الإيمان في الدنيا ، فتركوه ، وأبوا أن يقبلوا - أكبر مما مقتوا أنفسهم ، حين عاينوا عذاب الله يوم القيامة .
حدثنا
محمد قال : ثنا
أحمد قال : ثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي قوله : (
إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم ) في النار (
إذ تدعون إلى الإيمان ) في الدنيا ( فتكفرون ) .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله (
ينادون لمقت الله ) . . . الآية ، قال : لما دخلوا النار مقتوا أنفسهم في معاصي الله التي ركبوها ، فنودوا : إن مقت الله إياكم حين دعاكم إلى الإسلام أشد من مقتكم أنفسكم اليوم حين دخلتم النار .
واختلف أهل العربية في وجه دخول هذه اللام في قوله : (
لمقت الله أكبر ) فقال بعض أهل العربية من
أهل البصرة : هي لام الابتداء ، كأن ينادون : يقال لهم ؛ لأن في النداء قول . قال : ومثله في الإعراب يقال : لزيد أفضل من عمرو . وقال بعض
نحويي الكوفة : المعنى فيه : ينادون إن مقت الله إياكم ، ولكن اللام تكفي من أن تقول في الكلام : ناديت أن زيدا قائم . قال : ومثله قوله : (
ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين ) اللام بمنزلة " إن " في كل كلام ضارع القول مثل ينادون ويخبرون ، وأشباه ذلك .
وقال آخر غيره منهم : هذه لام اليمين ، تدخل مع الحكاية ، وما ضارع الحكاية لتدل على أن ما بعدها ائتناف . قال : ولا يجوز في جوابات الأيمان أن تقوم مقام اليمين ؛ لأن اللام كانت معها النون أو لم تكن ، فاكتفي بها من اليمين ؛ لأنها لا تقع إلا معها .
[ ص: 360 ]
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : دخلت لتؤذن أن ما بعدها ائتناف وأنها لام اليمين .
وقوله : (
ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين ) قد أتينا عليه في سورة البقرة ، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع ، ولكنا نذكر بعض ما قال بعضهم فيه .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : (
أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين ) قال : كانوا أمواتا في أصلاب آبائهم ، فأحياهم الله في الدنيا ، ثم أماتهم الموتة التي لا بد منها ، ثم أحياهم للبعث يوم القيامة ، فهما حياتان وموتتان .
وحدثت عن
الحسين قال : سمعت
أبا معاذ يقول : أخبرنا
عبيد قال : سمعت
الضحاك يقول فى قوله : (
أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين ) هو قول الله (
كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون ) .
حدثني
محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله : (
ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين ) قال : هو كقوله : (
كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا ) . . . الآية .
حدثنا
ابن بشار قال : ثنا
عبد الرحمن قال : ثنا
سفيان ، عن
أبي إسحاق ، عن
أبي الأحوص ، عن
عبد الله في قوله : (
أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين ) قال : هي كالتي في البقرة (
وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ) .
حدثني
أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس قال : ثنا
عبثر قال : ثنا
حصين ، عن
أبي مالك في هذه الآية (
أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين ) قال : خلقتنا ولم نكن شيئا ثم أمتنا ، ثم أحييتنا .
حدثني
يعقوب قال : ثنا
هشيم ، عن
حصين ، عن
أبي مالك ، في قوله : (
أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين ) قالوا : كانوا أمواتا فأحياهم الله ، ثم
[ ص: 361 ] أماتهم ، ثم أحياهم .
وقال آخرون فيه ما حدثنا
محمد قال : ثنا
أحمد قال : ثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي قوله : (
أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين ) قال : أميتوا في الدنيا ، ثم أحيوا في قبورهم ، فسئلوا أو خوطبوا ، ثم أميتوا في قبورهم ، ثم أحيوا في الآخرة .
وقال آخرون في ذلك ما حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله (
ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين ) قال : خلقهم من ظهر آدم حين أخذ عليهم الميثاق ، وقرأ : (
وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم ) فقرأ حتى بلغ ( المبطلون ) قال : فنساهم الفعل ، وأخذ عليهم الميثاق . قال : وانتزع ضلعا من أضلاع
آدم القصرى ، فخلق منه حواء ، ذكره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : وذلك قول الله : (
يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء ) قال : بث منهما بعد ذلك في الأرحام خلقا كثيرا ، وقرأ : (
يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق ) قال : خلقا بعد ذلك . قال : فلما أخذ عليهم الميثاق ، أماتهم ثم خلقهم في الأرحام ، ثم أماتهم ، ثم أحياهم يوم القيامة ، فذلك قول الله : (
ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا ) وقرأ قول الله : (
وأخذنا منهم ميثاقا غليظا ) قال : يومئذ ، وقرأ قول الله : (
واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا ) .
وقوله : (
فاعترفنا بذنوبنا ) يقول : فأقررنا بما عملنا من الذنوب في الدنيا (
فهل إلى خروج من سبيل ) يقول : فهل إلى خروج من النار لنا سبيل ، لنرجع إلى الدنيا ، فنعمل غير الذي كنا نعمل فيها .
كما حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
فهل إلى خروج من سبيل ) : فهل إلى كرة إلى الدنيا .