القول في تأويل قوله تعالى : (
قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه وويل للمشركين ( 6 )
الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون ( 7 ) )
يقول - تعالى ذكره - : قل يا
محمد لهؤلاء المعرضين عن آيات الله من قومك : أيها القوم ، ما أنا إلا بشر من بني آدم مثلكم في الجنس والصورة والهيئة
[ ص: 430 ] لست بملك ( يوحى إلي ) يوحي الله إلي أن لا معبود لكم تصلح عبادته إلا معبود واحد . (
فاستقيموا إليه ) يقول : فاستقيموا إليه بالطاعة ، ووجهوا إليه وجوهكم بالرغبة والعبادة دون الآلهة والأوثان .
يقول : وسلوه العفو لكم عن ذنوبكم التي سلفت منكم بالتوبة من شرككم ، يتب عليكم ويغفر لكم .
وقوله : (
وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون ) يقول - تعالى ذكره - : وصديد أهل النار ، وما يسيل منهم للمدعين لله شريكا العابدين الأوثان دونه الذين لا يؤتون الزكاة .
اختلف أهل التأويل في ذلك ، فقال بعضهم : معناه : الذين لا يعطون الله الطاعة التي تطهرهم ، وتزكي أبدانهم ، ولا يوحدونه؛ وذلك قول يذكر عن
ابن عباس .
ذكر الرواية بذلك :
حدثني
علي قال : ثنا
أبو صالح قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس قوله : (
وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة ) قال : هم الذين لا يشهدون أن لا إله إلا الله .
حدثني
سعيد بن عبد الله بن عبد الحكم قال : ثنا
حفص قال : ثنا
الحكم بن أبان ، عن
عكرمة قوله : (
وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة ) : الذين لا يقولون لا إله إلا الله .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : الذين لا يقرون بزكاة أموالهم التي فرضها الله فيها ، ولا يعطونها أهلها . وقد ذكرنا أيضا قائلي ذلك قبل .
وقد حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة ) قال : لا يقرون بها ولا يؤمنون بها . وكان يقال : إن الزكاة قنطرة الإسلام ، فمن قطعها نجا ، ومن تخلف عنها هلك؛
[ ص: 431 ] وقد كان أهل الردة بعد نبي الله قالوا : أما الصلاة فنصلي ، وأما الزكاة فوالله لا تغصب أموالنا؛ قال : فقال
أبو بكر : والله لا أفرق بين شيء جمع الله بينه؛ والله لو منعوني عقالا مما فرض الله ورسوله لقاتلناهم عليه .
حدثنا
محمد قال : ثنا
أحمد قال : ثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي (
وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة ) قال : لو زكوا وهم مشركون لم ينفعهم .
والصواب من القول في ذلك ما قاله الذين قالوا : معناه : لا يؤدون زكاة أموالهم؛ وذلك أن ذلك هو الأشهر من معنى الزكاة ، وأن في قوله : (
وهم بالآخرة هم كافرون ) دليلا على أن ذلك كذلك ، لأن الكفار الذين عنوا بهذه الآية كانوا لا يشهدون أن لا إله إلا الله ، فلو كان قوله : (
الذين لا يؤتون الزكاة ) مرادا به الذين لا يشهدون أن لا إله إلا الله لم يكن لقوله : (
وهم بالآخرة هم كافرون ) معنى ، لأنه معلوم أن من لا يشهد أن لا إله إلا الله لا يؤمن بالآخرة ، وفي إتباع الله قوله : (
وهم بالآخرة هم كافرون ) قوله (
الذين لا يؤتون الزكاة ) ما ينبئ عن أن الزكاة في هذا الموضع معني بها زكاة الأموال .
وقوله : (
وهم بالآخرة هم كافرون ) يقول : وهم بقيام الساعة ، وبعث الله خلقه أحياء من قبورهم ، من بعد بلائهم وفنائهم منكرون .