القول في تأويل قوله تعالى : (
فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون ( 16 ) )
يقول - تعالى ذكره - : فأرسلنا على
عاد ريحا صرصرا .
واختلف أهل التأويل في معنى الصرصر ، فقال بعضهم : عنى بذلك أنها ريح شديدة .
ذكر من قال ذلك .
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد قوله (
ريحا صرصرا ) قال : شديدة .
حدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد (
ريحا صرصرا ) شديدة السموم عليهم .
وقال آخرون : بل عنى بها أنها باردة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا ) قال : الصرصر : الباردة .
[ ص: 445 ]
حدثنا
ابن عبد الأعلى قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة ، في قوله : (
ريحا صرصرا ) قال : باردة .
حدثنا
محمد بن الحسين قال : ثنا
أحمد قال : ثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي (
ريحا صرصرا ) قال : باردة ذات الصوت .
حدثت عن
الحسين قال : سمعت
أبا معاذ يقول : ثنا
عبيد قال : سمعت .
الضحاك يقول ، في قوله : (
ريحا صرصرا ) يقول : ريحا فيها برد شديد .
وأولى القولين في ذلك بالصواب قول
مجاهد ، وذلك أن قوله : ( صرصرا ) إنما هو صوت الريح إذا هبت بشدة ، فسمع لها كقول القائل : صرر ، ثم جعل ذلك من أجل التضعيف الذي في الراء ، فقال ثم أبدلت إحدى الراءات صادا لكثرة الراءات ، كما قيل في ردده : ردرده ، وفي نههه : نهنهه ، كما قال رؤبة ؟
فاليوم قد تنهنهي وأول حلم ليس بالمسفه
وكما قيل في كففه : كفكفه ، كما قال
النابغة ؟
أكفكف عبرة غلبت عداتي إذا نهنهتها عادت ذباحا
وقد قيل : إن النهر الذي يسمى صرصرا ، إنما سمي بذلك لصوت الماء الجاري فيه ، وإنه " فعلل " من صرر نظير الريح الصرصر .
[ ص: 446 ]
وقوله : (
في أيام نحسات ) اختلف أهل التأويل في تأويل النحسات ، فقال بعضهم : عنى بها المتتابعات .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله : (
في أيام نحسات ) قال : أيام متتابعات أنزل الله فيهن العذاب .
وقال آخرون : عنى بذلك المشائيم .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد قوله : (
أيام نحسات ) قال : مشائيم .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
في أيام نحسات ) أيام والله كانت مشئومات على القوم .
حدثنا
ابن عبد الأعلى قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة قال : النحسات : المشئومات النكدات .
حدثنا
محمد بن الحسين قال : ثنا
أحمد بن المفضل قال : ثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي (
في أيام نحسات ) قال : أيام مشئومات عليهم .
وقال آخرون : معنى ذلك : أيام ذات شر .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد قوله : (
أيام نحسات ) قال : النحس : الشر؛ أرسل عليهم ريح شر ليس فيها من الخير شيء .
وقال آخرون : النحسات : الشداد .
[ ص: 447 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثت عن
الحسين قال : سمعت
أبا معاذ يقول : ثنا
عبيد قال : سمعت
الضحاك يقول (
في أيام نحسات ) قال :
شداد .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال عنى بها : أيام مشائيم ذات نحوس ، لأن ذلك هو المعروف من معنى النحس في كلام العرب .
وقد اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الأمصار غير
نافع وأبي عمرو (
في أيام نحسات ) بكسر الحاء ، وقرأه
نافع وأبو عمرو : " نحسات " بسكون الحاء . وكان
أبو عمرو فيما ذكر لنا عنه يحتج لتسكينه الحاء بقوله : (
يوم نحس مستمر ) وأن الحاء فيه ساكنة .
والصواب من القول في ذلك أن يقال : إنهما قراءتان مشهورتان ، قد قرأ بكل واحدة منهما قراء علماء مع اتفاق معنييهما ، وذلك أن تحريك الحاء وتسكينها في ذلك لغتان معروفتان ، يقال هذا يوم نحس ، ويوم نحس ، بكسر الحاء وسكونها؛ قال الفراء : أنشدني بعض العرب ؟
أبلغ جذاما ولخما أن إخوتهم طيا وبهراء قوم نصرهم نحس
وأما من السكون فقول الله (
يوم نحس ) ؛ منه قول الراجز ؟
يومين غيمين ويوما شمسا نجمين بالسعد ونجما نحسا
[ ص: 448 ]
فمن كان في لغته : " يوم نحس " قال : " في أيام نحسات " ومن كان في لغته : (
يوم نحس ) قال : (
في أيام نحسات ) ، وقد قال بعضهم : النحس بسكون الحاء : هو الشؤم نفسه ، وإن إضافة اليوم إلى النحس ، إنما هو إضافة إلى الشؤم ، وإن النحس بكسر الحاء نعت لليوم بأنه مشئوم ، ولذلك قيل : (
في أيام نحسات ) لأنها أيام مشائيم .
وقوله : (
لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ) يقول - جل ثناؤه - : ولعذابنا إياهم في الآخرة أخزى لهم وأشد إهانة وإذلالا . يقول : وهم يعني عادا لا ينصرهم من الله يوم القيامة إذا عذبهم ناصر ، فينقذهم منه ، أو ينتصر لهم .