القول في
تأويل قوله تعالى : ( ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد ( 44 ) )
يقول - تعالى ذكره - : ولو جعلنا هذا القرآن الذي أنزلناه يا
محمد أعجميا لقال قومك من
قريش : (
لولا فصلت آياته ) يعني : هلا بينت أدلته وما فيه من آية ، فنفقهه ونعلم ما هو وما فيه ، أأعجمي ، يعني أنهم كانوا يقولون إنكارا
[ ص: 482 ] له : أأعجمي هذا القرآن ولسان الذي أنزل عليه عربي ؟ .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار قال : ثنا
محمد بن جعفر قال : ثنا
شعبة ، عن
أبي بشر ، عن
سعيد بن جبير أنه قال في هذه الآية (
لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي ) قال : لو كان هذا القران أعجميا لقالوا : القرآن أعجمي ،
ومحمد عربي .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى قال : ثني
محمد بن أبي عدي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15854داود بن أبي هند ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11937جعفر بن أبي وحشية عن
سعيد بن جبير في هذه الآية : (
لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي ) قال : الرسول عربي ، واللسان أعجمي .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى قال : ثني
عبد الأعلى قال : ثنا
أبو داود عن
سعيد بن جبير في قوله : (
ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي ) قرآن أعجمي ولسان عربي .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى قال : ثنا
عبد الأعلى قال : ثنا
داود ، عن
محمد بن أبي موسى ، عن
عبد الله بن مطيع بنحوه .
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد قوله : (
لولا فصلت آياته ) فجعل عربيا ، أعجمي الكلام وعربي الرجل .
حدثنا
محمد قال : ثنا
أحمد قال : ثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، في قوله : (
ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته ) يقول : بينت آياته ، أأعجمي وعربي ، نحن قوم عرب ما لنا وللعجمة .
وقد خالف هذا القول الذي ذكرناه عن هؤلاء آخرون ، فقالوا : معنى ذلك (
لولا فصلت آياته ) بعضها عربي ، وبعضها عجمي . وهذا التأويل على
[ ص: 483 ] تأويل من قرأ ( أعجمي ) بترك الاستفهام فيه ، وحمله خبرا من الله تعالى عن قيل المشركين ذلك ، يعني : هلا فصلت آياته ، منها عجمي تعرفه العجم ، ومنها عربي تفقهه العرب .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
يعقوب ، عن
جعفر ، عن
سعيد قال : قالت
قريش : لولا أنزل هذا القرآن أعجميا وعربيا ، فأنزل الله (
لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء ) فأنزل الله بعده هذه الآية ( كل لسان ) ، فيه (
حجارة من سجيل ) قال : فارسية أعربت ( سنك وكل ) .
وقرأت قراء الأمصار : (
أأعجمي وعربي ؟ ) على وجه الاستفهام ، وذكر عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري أنه قرأ ذلك : أعجمي بهمزة واحدة على غير مذهب الاستفهام ، على المعنى الذي ذكرناه عن
جعفر بن أبي المغيرة ، عن
سعيد بن جبير .
والصواب من القراءة في ذلك عندنا القراءة التي عليها قراء الأمصار لإجماع الحجة عليها على مذهب الاستفهام .
وقوله : (
قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء ) يقول - تعالى ذكره - : قل يا
محمد لهم : هو ، ويعني بقوله ( هو ) القرآن (
للذين آمنوا ) بالله ورسوله ، وصدقوا بما جاءهم به من عند ربهم ( هدى ) يعني : بيان للحق ( وشفاء ) يعني أنه شفاء من الجهل .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال . ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء ) قال : جمله الله نورا وبركة وشفاء للمؤمنين .
حدثنا
محمد قال . ثنا
أحمد قال : ثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي (
قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء ) قال : القرآن .
[ ص: 484 ]
وقوله : (
والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى ) يقول - تعالى ذكره - : والذين لا يؤمنون بالله ورسوله ، وما جاءهم به من عند الله في آذانهم ثقل عن استماع هذا القرآن ، وصمم لا يستمعونه ولكنهم يعرضون عنه ، (
وهو عليهم عمى ) يقول : وهذا القرآن على قلوب هؤلاء المكذبين به عمى عنه ، فلا يبصرون حججه عليهم ، وما فيه من مواعظه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى ) عموا وصموا عن القرآن ، فلا ينتفعون به ، ولا يرغبون فيه .
حدثنا
محمد قال . ثنا
أحمد قال : ثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي (
والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر ) قال : صمم (
وهو عليهم عمى ) قال : عميت قلوبهم عنه .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
وهو عليهم عمى ) قال : العمى : الكفر .
وقرأت قراء الأمصار : (
وهو عليهم عمى ) بفتح الميم . وذكر عن
ابن عباس أنه قرأ : " وهو عليهم عم " بكسر الميم على وجه النعت للقرآن .
والصواب من القراءة في ذلك عندنا ما عليه قراء الأمصار .
وقوله : (
أولئك ينادون من مكان بعيد ) اختلف أهل التأويل في معناه ، فقال بعضهم : معنى ذلك : تشبيه من الله - جل ثناؤه - لعمى قلوبهم عن فهم ما أنزل في القرآن من حججه ومواعظه ببعيد فهم سامع صوت من بعيد نودي ، فلم يفهم ما نودي ، كقول العرب للرجل القليل الفهم : إنك لتنادى من بعيد ، وكقولهم للفهم : إنك لتأخذ الأمور من قريب .
[ ص: 485 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن بشار قال : ثنا
عبد الرحمن قال : ثنا
سفيان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن بعض أصحابه ، عن
مجاهد (
أولئك ينادون من مكان بعيد ) قال : بعيد من قلوبهم .
حدثنا
ابن بشار قال : ثنا
أبو أحمد قال : ثنا
سفيان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن
مجاهد ، بنحوه .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
أولئك ينادون من مكان بعيد ) قال : ضيعوا أن يقبلوا الأمر من قريب ، يتوبون ويؤمنون ، فيقبل منهم ، فأبوا .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : إنهم ينادون يوم القيامة من مكان بعيد منهم بأشنع أسمائهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن بشار قال : ثنا
أبو أحمد قال : ثنا
سفيان ، عن
أجلح ، عن
الضحاك بن مزاحم (
أولئك ينادون من مكان بعيد ) قال : ينادى الرجل بأشنع اسمه .
واختلف أهل العربية في موضع تمام قوله : (
إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم ) فقال بعضهم : تمامه : (
أولئك ينادون من مكان بعيد ) وجعل قائلو هذا القول خبر (
إن الذين كفروا بالذكر ) - (
أولئك ينادون من مكان بعيد ) ؛ وقال بعض نحويي
البصرة : يجوز ذلك ويجوز أن يكون على الأخبار التي في القرآن يستغنى بها ، كما استغنت أشياء عن الخبر إذا طال الكلام ، وعرف المعنى ، نحو قوله : (
ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض ) . وما أشبه ذلك .
قال : وحدثني شيخ من أهل العلم ، قال : سمعت
عيسى بن عمر يسأل
nindex.php?page=showalam&ids=16711عمرو بن عبيد (
إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم ) أين خبره ؟ فقال
عمرو :
[ ص: 486 ] معناه في التفسير : إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم كفروا به (
وإنه لكتاب عزيز ) فقال
عيسى : أجدت يا
أبا عثمان .
وكان بعض نحويي
الكوفة يقول : إن شئت جعلت جواب (
إن الذين كفروا بالذكر ( )
أولئك ينادون من مكان بعيد ) وإن شئت كان جوابه في قوله : (
وإنه لكتاب عزيز ) ، فيكون جوابه معلوما فترك ، فيكون أعرب الوجهين وأشبهه بما جاء في القرآن .
وقال آخرون : بل ذلك مما انصرف عن الخبر عما ابتدئ به إلى الخبر عن الذي بعده من الذكر؛ فعلى هذا القول ترك الخبر عن الذين كفروا بالذكر ، وجعل الخبر عن الذكر فتمامه على هذا القول؛ وإنه لكتاب عزيز؛ فكان معنى الكلام عند قائل هذا القول : إن الذكر الذي كفر به هؤلاء المشركون لما جاءهم ، وإنه لكتاب عزيز ، وشبهه بقوله : (
والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن ) .
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال : هو مما ترك خبره اكتفاء بمعرفة السامعين بمعناه لما تطاول الكلام .