القول في تأويل قوله تعالى : (
حم ( 1 )
عسق ( 2 )
كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم ( 3 ) )
قد ذكرنا اختلاف أهل التأويل في معاني
حروف الهجاء التي افتتحت بها أوائل ما افتتح بها من سور القرآن ، وبينا الصواب من قولهم في ذلك عندنا بشواهده المغنية عن إعادتها في هذا الموضع إذ كانت هذه الحروف نظيرة الماضية منها .
وقد ذكرنا عن
حذيفة في معنى هذه خاصة قولا وهو ما حدثنا به
أحمد بن زهير قال : ثنا
عبد الوهاب بن نجدة الحوطي قال : ثنا
أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج الحمصي ، عن
أرطأة بن المنذر قال : جاء رجل إلى
ابن عباس ، فقال له وعنده
حذيفة بن اليمان ، أخبرني عن تفسير قول الله : (
حم عسق ) قال : فأطرق ثم أعرض عنه ، ثم كرر مقالته فأعرض فلم يجبه بشيء وكره مقالته ، ثم كررها الثالثة فلم يجبه شيئا ، فقال له
حذيفة : أنا أنبئك بها ، قد عرفت بم كرهها؛ نزلت في رجل من أهل بيته يقال له عبد الإله أو عبد الله ينزل على نهر من أنهار المشرق ، تبنى عليه مدينتان يشق النهر بينهما شقا ، فإذا أذن الله في زوال ملكهم ، وانقطاع دولتهم ومدتهم ، بعث الله على إحداهما نارا ليلا فتصبح سوداء مظلمة قد احترقت ، كأنها لم تكن مكانها ، وتصبح صاحبتها متعجبة ، كيف أفلتت ، فما هو إلا بياض يومها ذلك حتى يجتمع فيها كل جبار عنيد منهم ، ثم يخسف الله بها وبهم جميعا ، فذلك قوله : (
حم عسق )
[ ص: 500 ] يعني : عزيمة من الله وفتنة وقضاء حم ، عين : يعني عدلا منه ، سين : يعني سيكون ، وقاف : يعني واقع بهاتين المدينتين .
وذكر عن
ابن عباس أنه كان يقرأه " حم . سق " بغير عين ، ويقول : إن السين : عمر كل فرقة كائنة وإن القاف : كل جماعة كائنة؛ ويقول : إن عليا إنما كان يعلم العين بها . وذكر أن ذلك في مصحف
عبد الله على مثل الذي ذكر عن
ابن عباس من قراءته من غير عين .
وقوله : (
كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم ) يقول - تعالى ذكره - : هكذا يوحي إليك يا
محمد وإلى الذين من قبلك من أنبيائه . وقيل : إن حم عين سين قد أوحيت إلى كل نبي بعث ، كما أوحيت إلى نبينا - صلى الله عليه وسلم - ولذلك قيل : (
كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز ) في انتقامه من أعدائه ( الحكيم ) في تدبيره خلقه .