[ ص: 507 ] القول في
تأويل قوله تعالى : ( فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ( 11 ) )
يقول - تعالى ذكره - : (
فاطر السماوات والأرض ) ، خالق السموات السبع والأرض . كما :
حدثنا
محمد قال : ثنا
أحمد قال : ثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي قوله : (
فاطر السماوات والأرض ) قال : خالق .
وقوله : (
جعل لكم من أنفسكم أزواجا ) يقول - تعالى ذكره - : زوجكم ربكم من أنفسكم أزواجا . وإنما قال - جل ثناؤه - : (
من أنفسكم ) لأنه خلق حواء من ضلع آدم ، فهو من الرجال . (
ومن الأنعام أزواجا ) يقول - جل ثناؤه - : وجعل لكم من الأنعام أزواجا من الضأن اثنين ، ومن المعز اثنين ، ومن الإبل اثنين ، ومن البقر اثنين ، ذكورا وإناثا ، ومن كل جنس من ذلك . (
يذرؤكم فيه ) يقول : يخلقكم فيما جعل لكم من أزواجكم ، ويعيشكم فيما جعل لكم من الأنعام . وقد اختلف أهل التأويل في معنى قوله : (
يذرؤكم فيه ) في هذا الموضع ، فقال بعضهم : معنى ذلك : يخلقكم فيه .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيع ، عن
مجاهد ، في قوله : (
يذرؤكم فيه ) قال : نسل بعد نسل من الناس والأنعام .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى قال : ثنا
أحمد قال : ثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي قوله : (
يذرؤكم ) قال : يخلقكم .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
حكام ، عن
عنبسة ، عن
محمد بن عبد [ ص: 508 ] الرحمن ، عن
القاسم بن أبي بزة ، عن
مجاهد ، في قوله : (
يذرؤكم فيه ) قال : نسلا بعد نسل من الناس والأنعام .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى قال : ثنا
محمد بن جعفر قال ثنا
شعبة ، عن
منصور ، أنه قال في هذه الآية : (
يذرؤكم فيه ) قال يخلقكم .
وقال آخرون : بل معناه : يعيشكم فيه .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله : (
جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه ) يقول : يجعل لكم فيه معيشة تعيشون بها .
حدثنا
محمد بن عبد الأعلى قال : ثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة (
يذرؤكم فيه ) قال : يعيشكم فيه .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : (
يذرؤكم فيه ) قال : عيش من الله يعيشكم فيه . وهذان القولان وإن اختلفا في اللفظ من قائليهما فقد يحتمل توجيههما إلى معنى واحد ، وهو أن يكون القائل في معناه يعيشكم فيه ، أراد بقوله ذلك : يحييكم بعيشكم به كما يحيي من لم يخلق بتكوينه إياه ، ونفخه الروح فيه حتى يعيش حيا . وقد بينت معنى ذرء الله الخلق فيما مضى بشواهده المغنية عن إعادته .
وقوله : (
ليس كمثله شيء ) فيه وجهان : أحدهما أن يكون معناه : ليس هو كشيء ، وأدخل المثل في الكلام توكيدا للكلام إذا اختلف اللفظ به وبالكاف ، وهما بمعنى واحد ، كما قيل :
ما إن نديت بشيء أنت تكرهه
[ ص: 509 ]
فأدخل على " ما " وهي حرف جحد " إن " وهي أيضا حرف جحد ، لاختلاف اللفظ بهما ، وإن اتفق معناهما توكيدا للكلام ، وكما قال
أوس بن حجر :
وقتلى كمثل جذوع النخيل تغشاهم مسبل منهمر
ومعنى ذلك : كجذوع النخيل ، وكما قال الآخر :
سعد بن زيد إذا أبصرت فضلهم ما إن كمثلهم في الناس من أحد
والآخر : أن يكون معناه : ليس مثل شيء ، وتكون الكاف هي المدخلة في الكلام ، كقول الراجز :
وصاليات ككما يؤثفين
[ ص: 510 ]
فأدخل على الكاف كافا توكيدا للتشبيه ، وكما قال الآخر :
تنفي الغياديق على الطريق قلص عن كبيضة في نيق
فأدخل الكاف مع " عن " وقد بينا هذا في موضع غير هذا المكان بشرح هو أبلغ من هذا الشرح ، فلذلك تجوزنا في البيان عنه في هذا الموضع .
وقوله : (
وهو السميع البصير ) يقول - جل ثناؤه - واصفا نفسه بما هو به ، وهو يعني نفسه : السميع لما تنطق به خلقه من قول ، البصير لأعمالهم ، لا يخفى عليه من ذلك شيء ، ولا يعزب عنه علم شيء منه ، وهو محيط بجميعه ، محص صغيره وكبيره (
لتجزى كل نفس بما كسبت ) من خير أو شر .