القول في
تأويل قوله تعالى : ( ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور ( 23 ) )
يقول - تعالى ذكره - : هذا الذي أخبرتكم أيها الناس أني أعددته للذين آمنوا وعملوا الصالحات في الآخرة من النعيم والكرامة ، البشرى التي يبشر الله عباده الذين آمنوا به في الدنيا ، وعملوا بطاعته فيها . (
قل لا أسألكم عليه أجرا ) يقول - تعالى ذكره - لنبيه
محمد - صلى الله عليه وسلم - : قل يا
محمد للذين يمارونك في الساعة من مشركي قومك : لا أسألكم أيها القوم على دعايتكم إلى ما أدعوكم إليه من الحق الذي جئتكم به ، والنصيحة التي أنصحكم ثوابا وجزاء ، وعوضا من أموالكم تعطوننيه (
إلا المودة في القربى ) .
واختلف أهل التأويل في معنى قوله : (
إلا المودة في القربى ) . فقال
[ ص: 525 ] بعضهم : معناه : إلا أن تودوني في قرابتي منكم ، وتصلوا رحمي بيني وبينكم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
أبوكريب ويعقوب ، قالا ثنا
إسماعيل بن إبراهيم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15854داود بن أبي هند ، عن
الشعبي ، عن
ابن عباس ، في قوله : (
لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) قال : لم يكن بطن من بطون
قريش إلا وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبينهم قرابة ، فقال : " قل لا أسألكم عليه أجرا أن تودوني في القرابة التي بيني وبينكم " .
حدثنا
أبو كريب قال : ثنا
أبو أسامة قال : ثنا
شعبة ، عن
عبد الملك بن ميسرة عن
طاوس ، في قوله : (
قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) قال : سئل عنها
ابن عباس ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=13033ابن جبير : هم قربى
آل محمد ، فقال
ابن عباس : عجلت ، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن بطن من بطون
قريش إلا وله فيهم قرابة ، قال : فنزلت (
قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) قال : " إلا القرابة التي بيني وبينكم أن تصلوها " .
حدثني علي ، قال : ثنا
أبو صالح قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس قوله : (
قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) قال : كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرابة في جميع
قريش ، فلما كذبوه وأبوا أن يبايعوه قال : " يا قوم إذا أبيتم أن تبايعوني فاحفظوا قرابتي فيكم لا يكن غيركم من العرب أولى بحفظي ونصرتي منكم " .
حدثني
محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله : (
قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) يعني
محمدا - صلى الله عليه وسلم - قال
لقريش : " لا أسألكم من أموالكم شيئا ، ولكن أسألكم أن لا تؤذوني لقرابة ما بيني وبينكم ، فإنكم قومي وأحق من أطاعني وأجابني " .
[ ص: 526 ]
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
جرير ، عن
مغيرة ، عن
عكرمة قال : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان واسطا من
قريش ، كان له في كل بطن من
قريش نسب ، فقال : ولا أسألكم على ما أدعوكم إليه إلا أن تحفظوني في قرابتي ،
قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى " .
حدثني
يعقوب قال : ثنا
هشيم قال : أخبرنا
حصين ، عن
أبي مالك قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واسط النسب من
قريش ، ليس حي من أحياء
قريش إلا وقد ولدوه؛ قال : فقال الله عز وجل : (
قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) : " إلا أن تودوني لقرابتي منكم وتحفظوني " .
حدثنا
أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس قال : ثنا
عبثر قال : ثنا
حصين ، عن
أبي مالك في هذه الآية : (
قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من
بني هاشم وأمه من
بني زهرة وأم أبيه من
بني مخزوم ، فقال : " احفظوني في قرابتي " .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى قال : ثنا
حرمي قال : ثنا
شعبة قال : أخبرني
عمارة ، عن
عكرمة ، في قوله : (
قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) قال : تعرفون قرابتي ، وتصدقونني بما جئت به ، وتمنعوني .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : (
قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) وإن الله تبارك وتعالى أمر
محمدا - صلى الله عليه وسلم - أن لا يسأل الناس على هذا القرآن أجرا إلا أن يصلوا ما بينه وبينهم من القرابة ، وكل بطون
قريش قد ولدته وبينه وبينهم قرابة .
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد قوله : (
إلا المودة في القربى ) أن تتبعوني ، وتصدقوني وتصلوا رحمي .
[ ص: 527 ]
حدثنا
محمد قال : ثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، فى قوله : (
قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) قال : لم يكن بطن من بطون
قريش إلا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيهم ولادة ، فقال : قل لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تودوني لقرابتي منكم .
حدثت عن
الحسين قال : سمعت
أبا معاذ يقول : أخبرنا
عبيد قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : (
قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) يعني
قريشا . يقول : إنما أنا رجل منكم ، فأعينوني على عدوي ، واحفظوا قرابتي ، وإن الذي جئتكم به لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ، أن تودوني لقرابتي ، وتعينوني على عدوي .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) قال : يقول : إلا أن تودوني لقرابتي كما توادون في قرابتكم وتواصلون بها ، ليس هذا الذي جئت به يقطع ذلك عني ، فلست أبتغي على الذي جئت به أجرا آخذه على ذلك منكم .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : أخبرني
nindex.php?page=showalam&ids=15986سعيد بن أبي أيوب ، عن
عطاء بن دينار ، في قوله : (
قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) يقول : لا أسألكم على ما جئتكم به أجرا ، إلا أن تودوني في قرابتي منكم ، وتمنعوني من الناس .
حدثنا
محمد بن عبد الأعلى قال : ثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة ، في قوله : (
قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) قال : كل
قريش كانت بينهم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرابة ، فقال : قل لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تودوني بالقرابة التي بيني وبينكم .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : قل لمن تبعك من المؤمنين : لا أسألكم على ما جئتكم به أجرا إلا أن تودوا قرابتي .
[ ص: 528 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمارة قال : ثنا
إسماعيل بن أبان قال : ثنا
الصباح بن يحيى المري ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، عن
أبي الديلم قال : لما جيء
بعلي بن الحسين رضي الله عنهما أسيرا ، فأقيم على درج
دمشق ، قام رجل من
أهل الشام فقال : الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم ، وقطع قربى الفتنة ، فقال له
علي بن الحسين رضي الله عنهما : أقرأت القرآن ؟ قال : نعم ، قال : أقرأت آل حم ؟ قال : قرأت القرآن ولم أقرأ آل حم ، قال : ما قرأت (
قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) ؟ قال : وإنكم لأنتم هم ؟ قال نعم .
حدثنا
أبو كريب قال : ثنا
مالك بن إسماعيل قال : ثنا
عبد السلام قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17347يزيد بن أبي زياد ، عن
مقسم ، عن
ابن عباس قال : قالت
الأنصار : فعلنا وفعلنا ، فكأنهم فخروا ، قال
ابن عباس ، أو
العباس ، شك
عبد السلام : لنا الفضل عليكم ، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتاهم في مجالسهم ، فقال : " يا معشر
الأنصار ألم تكونوا أذلة فأعزكم الله بي ؟ " قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : ألم تكونوا ضلالا فهداكم الله بي ؟ " قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : " أفلا تجيبوني ؟ " قالوا : ما نقول يا رسول الله ؟ قال : " ألا تقولون : ألم يخرجك قومك فآويناك ، أولم يكذبوك فصدقناك ، أولم يخذلوك فنصرناك ؟ " قال : فما زال يقول حتى جثوا على الركب ، وقالوا : أموالنا وما في أيدينا لله ولرسوله ، قال : فنزلت (
قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) .
حدثني
يعقوب قال : ثنا
مروان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17330يحيى بن كثير ، عن
أبي العالية ، عن
سعيد بن جبير ، في قوله : (
قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) قال : هي قربى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
حدثني
محمد بن عمارة الأسدي ومحمد بن خلف قالا ثنا
عبيد الله قال : أخبرنا
إسرائيل ، عن
أبي إسحاق قال : سألت
عمرو بن شعيب ، عن قول الله
[ ص: 529 ] عز وجل : (
قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) قال : قربى النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : قل لا أسألكم أيها الناس على ما جئتكم به أجرا إلا أن توددوا إلى الله ، وتتقربوا بالعمل الصالح والطاعة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي بن داود ومحمد بن داود أخوه أيضا قالا ثنا
عاصم بن علي قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16827قزعة بن سويد ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، عن
ابن عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=810974قل لا أسألكم على ما آتيتكم به من البينات والهدى أجرا إلا أن توددوا الله وتتقربوا إليه بطاعته " .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى قال : ثنا
محمد بن جعفر قال : ثنا
شعبة ، عن
منصور بن زاذان ، عن
الحسن أنه قال في هذه الآية (
قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) قال : القربى إلى الله .
حدثني
يعقوب قال : ثناهشيم ، قال : أخبرنا عوف ، عن
الحسن ، في قوله : (
قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) قال : إلا التقرب إلى الله ، والتودد إليه بالعمل الصالح .
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قال : قال
الحسن : في قوله : (
قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) قل لا أسألكم على ما جئتكم به ، وعلى هذا الكتاب أجرا ، إلا المودة في القربى ، إلا أن توددوا إلى الله بما يقربكم إليه ، وعمل بطاعته .
قال
بشر : قال
يزيد : وحدثنيه
يونس ، عن
الحسن ، حدثنا
ابن عبد الأعلى قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة ، في قوله : (
قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) إلا أن توددوا إلى الله فيما يقربكم إليه .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : إلا أن تصلوا قرابتكم .
[ ص: 530 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر قال : ثنا
أبو عامر قال : ثنا
قرة ، عن
عبد الله بن القاسم ، في قوله : (
إلا المودة في القربى ) قال : أمرت أن تصل قرابتك .
وأولى الأقوال فى ذلك بالصواب ، وأشبهها بظاهر التنزيل قول من قال : معناه : قل لا أسألكم عليه أجرا يا معشر
قريش ، إلا أن تودوني في قرابتي منكم ، وتصلوا الرحم التي بيني وبينكم .
وإنما قلت : هذا التأويل أولى بتأويل الآية لدخول " في " في قوله : (
إلا المودة في القربى ) ، ولو كان معنى ذلك على ما قاله من قال : إلا أن تودوا قرابتي ، أو تقربوا إلى الله ، لم يكن لدخول " في " في الكلام في هذا الموضع وجه معروف ، ولكان التنزيل : إلا مودة القربى إن عنى به الأمر بمودة قرابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو إلا المودة بالقربى ، أو ذا القربى إن عنى به التودد والتقرب . وفي دخول " في " في الكلام أوضح الدليل على أن معناه : إلا مودتي في قرابتي منكم ، وأن الألف واللام فى المودة أدخلتا بدلا من الإضافة ، كما قيل : (
فإن الجنة هي المأوى ) وقوله : " إلا " في هذا الموضع استثناء منقطع . ومعنى الكلام : قل لا أسألكم عليه أجرا ، لكني أسألكم المودة في القربى ، فالمودة منصوبة على المعنى الذي ذكرت . وقد كان بعض نحويي
البصرة يقول : هي منصوبة بمضمر من الفعل ، بمعنى : إلا أن أذكر مودة قرابتي .
وقوله : (
ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا ) يقول - تعالى ذكره - : ومن يعمل حسنة ، وذلك أن يعمل عملا يطيع الله فيه من المؤمنين (
نزد له فيها حسنا ) يقول : نضاعف عمله ذلك الحسن ، فنجعل له مكان الواحد عشرا إلى ما شئنا من الجزاء والثواب .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
[ ص: 531 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد قال : ثنا
أحمد قال : ثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، في قول الله عز وجل : (
ومن يقترف حسنة ) قال : يعمل حسنة .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا ) قال : من يعمل خيرا نزد له . الاقتراف : العمل .
وقوله : (
إن الله غفور شكور ) يقول : إن الله غفور لذنوب عباده ، شكور لحسناتهم وطاعتهم إياه .
كما حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة : (
إن الله غفور ) للذنوب ( شكور ) للحسنات يضاعفها .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
إن الله غفور شكور ) قال : غفر لهم الذنوب ، وشكر لهم نعما هو أعطاهم إياها ، وجعلها فيهم .