[ ص: 131 ] القول في
تأويل قوله تعالى ( ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها )
قال
أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : "ما ولاهم " : أي شيء صرفهم عن قبلتهم ؟ وهو من قول القائل : "ولاني فلان دبره " ، إذا حول وجهه عنه واستدبره ، فكذلك قوله : "ما ولاهم " ؟ أي شيء حول وجوههم ؟
وأما قوله : "عن قبلتهم " ، فإن قبلة كل شيء : ما قابل وجهه . وإنما هي "فعلة " بمنزلة "الجلسة والقعدة " ، من قول القائل . "قابلت فلانا " ، إذا صرت قبالته أقابله ، فهو لي "قبلة " وأنا له "قبلة " ، إذا قابل كل واحد منهما بوجهه وجه صاحبه .
قال
أبو جعفر : فتأويل الكلام إذا - إذ كان ذلك معناه - : سيقول السفهاء من الناس لكم ، أيها المؤمنون بالله ورسوله ، - إذا حولتم وجوهكم عن قبلة
اليهود التي كانت لكم قبلة قبل أمري إياكم بتحويل وجوهكم عنها شطر
المسجد الحرام - : أي شيء حول وجوه هؤلاء ، فصرفها عن الموضع الذي كانوا يستقبلونه بوجوههم في صلاتهم ؟
فأعلم الله جل ثناؤه نبيه صلى الله عليه وسلم ، ما
اليهود والمنافقون قائلون من القول عند تحويل قبلته وقبلة أصحابه عن
الشام إلى
المسجد الحرام ، وعلمه ما ينبغي أن يكون من رده عليهم من الجواب . فقال له : إذا قالوا ذلك لك يا
محمد ، فقل لهم : "لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم " .
[ ص: 132 ]
وكان سبب ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى نحو
بيت المقدس مدة سنذكر مبلغها فيما بعد إن شاء الله تعالى ، ثم أراد الله تعالى صرف قبلة نبيه صلى الله عليه وسلم إلى
المسجد الحرام . فأخبره عما اليهود قائلوه من القول عند صرفه وجهه ووجه أصحابه شطره ، وما الذي ينبغي أن يكون من رده عليهم من الجواب .
ذكر المدة التي صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه نحو
بيت المقدس ، وما كان سبب صلاته نحوه ؟ وما الذي دعا
اليهود والمنافقين إلى قيل ما قالوا عند تحويل الله قبلة المؤمنين عن
بيت المقدس إلى
الكعبة ؟
اختلف أهل العلم في
المدة التي صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس بعد الهجرة . فقال بعضهم بما : -
2149 - حدثنا
أبو كريب قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17416يونس بن بكير - وحدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
سلمة - قالا جميعا : حدثنا
محمد بن إسحاق قال : حدثني
محمد بن أبي محمد قال : أخبرني
سعيد بن جبير ، أو
عكرمة - شك
محمد - ، عن
ابن عباس قال : لما صرفت القبلة عن
الشام إلى
الكعبة - وصرفت في رجب ، على رأس سبعة عشر شهرا من مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة - أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم
رفاعة بن قيس ،
وقردم بن عمرو ،
وكعب بن الأشرف ،
ونافع بن أبي نافع - هكذا قال
ابن حميد ، وقال
أبو كريب :
ورافع بن أبي رافع -
والحجاج بن عمرو حليف
كعب بن الأشرف والربيع بن الربيع بن [ أبي ] الحقيق ، وكنانة بن أبي الحقيق ، فقالوا : يا
محمد ، ما ولاك عن قبلتك التي كنت عليها ، وأنت تزعم أنك على ملة
إبراهيم ودينه ؟ ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها نتبعك ونصدقك! وإنما يريدون فتنته عن دينه . فأنزل
[ ص: 133 ] الله فيهم : "سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها " إلى قوله : "إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه " .
2150 - حدثنا
أبو كريب قال : حدثنا
أبو بكر بن عياش ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=811927قال البراء : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس سبعة عشر شهرا ، وكان يشتهي أن يصرف إلى الكعبة . قال : فبينا نحن نصلي ذات يوم ، فمر بنا مار فقال : ألا هل علمتم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صرف إلى الكعبة ؟ قال : وقد صلينا ركعتين إلى هاهنا ، وصلينا ركعتين إلى هاهنا - قال
أبو كريب : فقيل له : فيه
أبو إسحاق ؟ فسكت .
2151 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17294يحيى بن آدم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11948أبي بكر بن عياش ، عن
أبي إسحاق ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=810067عن البراء قال : صلينا بعد قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة سبعة عشر شهرا إلى بيت المقدس .
2152 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار قال : حدثنا
يحيى ، عن
سفيان قال : حدثنا
أبو إسحاق ، nindex.php?page=hadith&LINKID=810068عن nindex.php?page=showalam&ids=48البراء بن عازب قال : صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم نحو [ ص: 134 ] بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا - شك سفيان - ثم صرفنا إلى الكعبة .
2153 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
النفيلي قال : حدثنا
زهير قال : حدثنا
أبو إسحاق ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=810069عن البراء : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أول ما قدم المدينة ، نزل على أجداده - أو أخواله - من الأنصار ، وأنه صلى قبل بيت المقدس ستة عشر شهرا ، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت ، وأنه صلى صلاة العصر ومعه قوم . فخرج رجل ممن صلى معه ، فمر على أهل المسجد وهم ركوع فقال : أشهد لقد صليت مع رسول الله قبل مكة . فداروا كما هم قبل البيت . وكان يعجبه أن يحول قبل البيت . وكان اليهود أعجبهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي قبل بيت المقدس وأهل الكتاب ، فلما ولى وجهه قبل البيت أنكروا ذلك .
2154 - حدثني
عمران بن موسى قال : حدثنا
عبد الوارث قال : حدثنا
يحيى بن سعيد ، عن
ابن المسيب قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=810070صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس بعد أن قدم المدينة ستة عشر شهرا ، ثم وجه نحو الكعبة قبل بدر بشهرين .
[ ص: 135 ]
وقال آخرون بما : -
2155 - حدثنا
عمرو بن علي قال : حدثنا
أبو عاصم قال : حدثنا
عثمان بن سعد الكاتب قال : حدثنا
أنس بن مالك قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=811928صلى نبي الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس تسعة أشهر أو عشرة أشهر . فبينما هو قائم يصلي الظهر بالمدينة وقد صلى ركعتين نحو بيت المقدس ، انصرف بوجهه إلى الكعبة ، فقال السفهاء : "ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها " . [ ص: 136 ]
وقال آخرون بما : -
2156 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى قال : حدثنا
أبو داود قال : حدثنا
المسعودي ، عن
عمرو بن مرة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=810071عن معاذ بن جبل : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فصلى نحو بيت المقدس ثلاثة عشر شهرا .
[ ص: 137 ]
2157 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12235أحمد بن المقدام العجلي قال : حدثنا
المعتمر بن سليمان قال : سمعت أبي قال : حدثنا
قتادة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب : أن
الأنصار صلت القبلة الأولى ، قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث حجج ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى القبلة الأولى بعد قدومه
المدينة ستة عشر شهرا ، أو كما قال . وكلا الحديثين يحدث
قتادة عن
سعيد .
ذكر السبب الذي كان من أجله يصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو
بيت المقدس ، قبل أن يفرض عليه التوجه شطر
الكعبة .
اختلف أهل العلم في ذلك .
فقال بعضهم : كان ذلك باختيار من النبي صلى الله عليه وسلم
ذكر من قال ذلك :
[ ص: 138 ]
2158 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11953يحيى بن واضح أبو تميلة قال : حدثنا
الحسين بن واقد ، عن
عكرمة - وعن
يزيد النحوي ، عن
عكرمة -
والحسن البصري قالا : أول ما نسخ من القرآن القبلة . وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستقبل صخرة
بيت المقدس ، وهي قبلة
اليهود ، فاستقبلها النبي صلى الله عليه وسلم سبعة عشر شهرا ، ليؤمنوا به ويتبعوه ، ويدعو بذلك الأميين من العرب . فقال الله عز وجل : (
ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم ) [ سورة البقرة : 115 ] .
2159 - حدثني
المثنى بن إبراهيم قال : حدثنا
ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن
الربيع في قوله : "سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها " ، يعنون
بيت المقدس . قال
الربيع . قال
أبو العالية : إن نبي الله صلى الله عليه وسلم خير أن يوجه وجهه حيث شاء ، فاختار بيت المقدس لكي يتألف أهل الكتاب ، فكانت قبلته ستة عشر شهرا ، وهو في ذلك يقلب وجهه في السماء ، ثم وجهه الله إلى
البيت الحرام .
وقال آخرون : بل كان فعل ذلك - من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه - بفرض الله عز ذكره عليهم .
ذكر من قال ذلك :
2160 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
عبد الله بن صالح قال : حدثنا
معاوية بن صالح ، عن
علي بن أبي طلحة ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=811929عن ابن عباس قال : لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، وكان [ أكثر ] أهلها اليهود ، أمره الله أن يستقبل بيت المقدس . ففرحت اليهود . فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشر شهرا ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب قبلة إبراهيم عليه السلام ، وكان يدعو وينظر إلى السماء . فأنزل الله عز وجل : ( قد نرى تقلب وجهك في السماء ) [ ص: 139 ] [ سورة البقرة : 144 ] الآية . فارتاب من ذلك اليهود وقالوا : "ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها " ؟ فأنزل الله عز وجل : "قل لله المشرق والمغرب " .
2161 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما صلى إلى
الكعبة ، ثم صرف إلى
بيت المقدس . فصلت
الأنصار نحو
بيت المقدس قبل قدومه ثلاث حجج : وصلى بعد قدومه ستة عشر شهرا ، ثم ولاه الله جل ثناؤه إلى
الكعبة .
ذكر السبب الذي من أجله قال من قال "ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها " ؟
اختلف أهل التأويل في ذلك . فروي عن
ابن عباس فيه قولان . أحدهما ما : -
2162 - حدثنا به
ابن حميد قال : حدثنا
سلمة قال : حدثنا
ابن إسحاق قال : حدثني
محمد بن أبي محمد ، عن
عكرمة ، أو عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس قال : قال ذلك قوم من
اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا له : ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها نتبعك ونصدقك! يريدون فتنته عن دينه .
والقول الآخر : ما ذكرت من حديث
علي بن أبي طلحة عنه الذي مضى قبل .
2163 - حدثنا
بشر بن معاذ قال : حدثنا
يزيد ، عن
سعيد ، عن
قتادة قوله : "سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها " ؟ قال : صلت
الأنصار نحو
بيت المقدس حولين قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم
المدينة وصلى نبي الله صلى الله عليه وسلم بعد قدومه
المدينة مهاجرا ، نحو
بيت [ ص: 140 ] المقدس ، ستة عشر شهرا ، ثم وجهه الله بعد ذلك إلى
الكعبة البيت الحرام . فقال في ذلك قائلون من الناس : "ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها " ؟ لقد اشتاق الرجل إلى مولده! فقال الله عز وجل : "قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم " .
وقيل : قائل هذه المقالة المنافقون . وإنما قالوا ذلك استهزاء بالإسلام .
ذكر من قال ذلك :
2164 - حدثني
موسى قال : حدثنا
عمرو قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، قال : لما وجه النبي صلى الله عليه وسلم قبل
المسجد الحرام ، اختلف الناس فيها فكانوا أصنافا . فقال المنافقون : ما بالهم كانوا على قبلة زمانا ، ثم تركوها وتوجهوا إلى غيرها ؟ فأنزل الله في المنافقين : "سيقول السفهاء من الناس " ، الآية كلها .