القول في
تأويل قوله تعالى : ( وجعلوا له من عباده جزءا إن الإنسان لكفور مبين ( 15 )
أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين ( 16 )
وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم ( 17 ) )
يقول - تعالى ذكره - : وجعل هؤلاء المشركون لله من خلقه نصيبا ، وذلك
قولهم للملائكة : هم بنات الله .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا عاصم ، قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قول الله عز وجل : (
وجعلوا له من عباده جزءا ) قال : ولدا وبنات من الملائكة .
حدثنا
محمد قال : ثنا
أحمد قال : ثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي (
وجعلوا له من عباده جزءا ) قال : البنات .
وقال آخرون : عنى بالجزء ها هنا العدل .
[ ص: 578 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
وجعلوا له من عباده جزءا ) : أي عدلا .
حدثنا
ابن عبد الأعلى قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة ، في قوله : (
وجعلوا له من عباده جزءا ) : أي عدلا .
وإنما اخترنا القول الذي اخترناه في تأويل ذلك ، لأن الله - جل ثناؤه - أتبع ذلك قوله : (
أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين ) توبيخا لهم على قولهم ذلك ، فكان معلوما أن توبيخه إياهم بذلك إنما هو عما أخبر عنهم من قيلهم ما قالوا في إضافة البنات إلى الله - جل ثناؤه - .
وقوله : (
إن الإنسان لكفور مبين ) يقول - تعالى ذكره - : إن
الإنسان لذو جحد لنعم ربه التي أنعمها عليه مبين : يقول : يبين كفرانه نعمه عليه ، لمن تأمله بفكر قلبه ، وتدبر حاله .
وقوله : (
أم اتخذ مما يخلق بنات ) يقول - جل ثناؤه - موبخا هؤلاء المشركين الذين وصفوه بأن الملائكة بناته : اتخذ ربكم أيها الجاهلون مما يخلق بنات ، وأنتم لا ترضون لأنفسكم ، وأصفاكم بالبنين . يقول : وأخلصكم بالبنين ، فجعلهم لكم . (
وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ) يقول - تعالى ذكره - : وإذا بشر أحد هؤلاء المشركين الجاعلين لله من عباده جزءا بما ضرب للرحمن مثلا يقول : بما مثل لله ، فشبهه شبها ، وذلك ما وصفه به من أن له بنات .
كما حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، في قوله :
[ ص: 579 ] (
بما ضرب للرحمن مثلا ) قال : ولدا .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : (
بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ) بما جعل لله .
وقوله : (
ظل وجهه مسودا ) يقول - تعالى ذكره - : ظل وجه هذا الذي بشر بما ضرب للرحمن مثلا من البنات مسودا من سوء ما بشر به . (
وهو كظيم ) يقول : وهو حزين .
كما حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
وهو كظيم ) : أي حزين .