القول في
تأويل قوله تعالى : ( أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين ( 18 ) )
يقول - تعالى ذكره - : أو من ينبت في الحلية ويزين بها (
وهو في الخصام ) يقول : وهو في مخاصمة من خاصمه عند الخصام غير مبين ، ومن خصمه ببرهان وحجة ، لعجزه وضعفه ، جعلتموه جزء الله من خلقه وزعمتم أنه نصيبه منهم ، وفي الكلام متروك استغنى بدلالة ما ذكر منه وهو ما ذكرت .
واختلف أهل التأويل في المعنى بقوله : (
أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين ) ، فقال بعضهم : عنى بذلك الجواري والنساء .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله : (
أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين ) قال : يعني المرأة .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار قال : ثنا
عبد الرحمن قال : ثنا
سفيان ، عن
علقمة ، عن
مرثد ، عن
مجاهد قال : رخص للنساء في الحرير والذهب ، وقرأ (
أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين ) قال : يعني المرأة .
حدثني
محمد بن عمرو قال : قال ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
[ ص: 580 ] الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، في قوله (
أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين ) قال : الجواري جعلتموهن للرحمن ولدا ، كيف تحكمون .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : (
أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين ) قال : الجواري يسفههن بذلك ، غير مبين بضعفهن .
حدثنا
محمد بن عبد الأعلى قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة (
أومن ينشأ في الحلية ) يقول : جعلوا له البنات وهم إذا بشر أحدهم بهن ظل وجهه مسودا وهو كظيم . قال : وأما قوله : (
وهو في الخصام غير مبين ) يقول : قلما تتكلم امرأة فتريد أن تتكلم بحجتها إلا تكلمت بالحجة عليها .
حدثنا
محمد قال : ثنا
أحمد قال : ثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي (
أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين ) قال : النساء .
وقال آخرون : عنى بذلك أوثانهم التي كانوا يعبدونها من دون الله .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
أومن ينشأ في الحلية ) . . . الآية ، قال : هذه تماثيلهم التي يضربونها من فضة وذهب يعبدونها هم الذين أنشئوها ، ضربوها من تلك الحلية ، ثم عبدوها (
وهو في الخصام غير مبين ) قال : لا يتكلم ، وقرأ (
فإذا هو خصيم مبين ) .
وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : عنى بذلك الجواري والنساء ، لأن ذلك عقيب خبر الله عن إضافة المشركين إليه ما يكرهونه لأنفسهم من البنات ، وقلة معرفتهم بحقه ، وتحليتهم إياه من الصفات والبخل ، وهو خالقهم ومالكهم ورازقهم ، والمنعم عليهم النعم التي عددها في أول هذه السورة ما لا
[ ص: 581 ] يرضونه لأنفسهم ، فاتباع ذلك من الكلام ما كان نظيرا له أشبه وأولى من اتباعه ما لم يجر له ذكر .
واختلف القراء في قراءة قوله : (
أومن ينشأ في الحلية ) فقرأته عامة قراء
المدينة والبصرة وبعض المكيين والكوفيين " أو من ينشأ " بفتح الياء والتخفيف من نشأ ينشأ . وقرأته عامة قراء
الكوفة ( ينشأ ) بضم الياء وتشديد الشين من نشأته فهو ينشأ . والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال : إنهما قراءتان معروفتان في قراءة الأمصار ، متقاربتا المعنى ، لأن المنشأ من الإنشاء ناشئ ، والناشئ منشأ ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب . وقد ذكر أن ذلك في قراءة عبد الله " أو من لا ينشأ إلا في الحلية " وفي " من " وجوه من الإعراب الرفع على الاستئناف والنصب على إضمار يجعلون كأنه قيل : أو من ينشأ في الحلية يجعلون بنات الله . وقد يجوز النصب فيه أيضا على الرد على قوله : أم اتخذ مما يخلق بنات أو من ينشأ في الحلية ، فيرد " من " على البنات ، والخفض على الرد على " ما " التي في قوله : (
وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ) .