القول في
تأويل قوله تعالى : ( وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون ( 19 ) )
يقول - تعالى ذكره - : وجعل هؤلاء المشركون بالله ملائكته الذين هم عباد الرحمن .
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء المدينة " الذين هم عند الرحمن " بالنون ، فكأنهم تأولوا في ذلك قول الله - جل ثناؤه - : (
إن الذين عند ربك لا يستكبرون ) فتأويل الكلام على هذه القراءة : وجعلوا ملائكة الله الذين هم عنده يسبحونه ويقدسونه إناثا ، فقالوا : هم بنات الله جهلا منهم بحق الله ، وجرأة منهم على قيل الكذب والباطل . وقرأ ذلك عامة قراء
الكوفة والبصرة [ ص: 582 ] (
وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا ) بمعنى : جمع عبد . فمعنى الكلام على قراءة هؤلاء :
وجعلوا ملائكة الله الذين هم خلقه وعباده بنات الله ، فأنثوهم بوصفهم إياهم بأنهم إناث .
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان في قراءة الأمصار صحيحتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب ، وذلك أن الملائكة عباد الله وعنده .
واختلفوا أيضا في قراءة قوله : (
أشهدوا خلقهم ) فقرأ ذلك بعض قراء المدينة " أشهدوا خلقهم " بضم الألف ، على وجه ما لم يسم فاعله ، بمعنى : أأشهد الله هؤلاء المشركين الجاعلين ملائكة الله إناثا ، خلق ملائكته الذين هم عنده ، فعلموا ما هم ، وأنهم إناث ، فوصفوهم بذلك ، لعلمهم بهم ، وبرؤيتهم إياهم ، ثم رد ذلك إلى ما لم يسم فاعله .
وقرئ بفتح الألف ، بمعنى : أشهدوا هم ذلك فعلموه ؟ والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .
وقوله : (
ستكتب شهادتهم ) يقول - تعالى ذكره - : ستكتب شهادة هؤلاء القائلين : الملائكة بنات الله في الدنيا ، بما شهدوا به عليهم ، ويسألون عن شهادتهم تلك في الآخرة أن يأتوا ببرهان على حقيقتها ، ولن يجدوا إلى ذلك سبيلا .