القول في
تأويل قوله تعالى : ( بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون ( 22 ) )
يقول - تعالى ذكره - : ما آتينا هؤلاء القائلين : لو شاء الرحمن ما عبدنا هؤلاء
[ ص: 584 ] الأوثان بالأمر بعبادتها ، كتابا من عندنا ، ولكنهم قالوا : وجدنا آباءنا الذين كانوا قبلنا يعبدونها ، فنحن نعبدها كما كانوا يعبدونها؛ وعنى - جل ثناؤه - بقوله : (
بل وجدنا آباءنا على أمة ) . بل وجدنا آباءنا على دين وملة ، وذلك هو عبادتهم الأوثان .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد قوله : (
على أمة ) : ملة .
حدثني
محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله : (
إنا وجدنا آباءنا على أمة ) يقول : وجدنا آباءنا على دين .
حدثنا بشر ، قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : (
إنا وجدنا آباءنا على أمة ) قال : قد قال ذلك مشركو
قريش : إنا وجدنا آباءنا على دين .
حدثنا
محمد قال : ثنا
أحمد قال : ثنا
أسباط عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي (
قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة ) قال : على دين .
واختلفت القراء في قراءة قوله : (
على أمة ) فقرأته عامة قراء الأمصار (
على أمة ) بضم الألف بالمعنى الذي وصفت من الدين والملة والسنة . وذكر عن
مجاهد nindex.php?page=showalam&ids=16673وعمر بن عبد العزيز أنهما قرأاه " على إمة " بكسر الألف . وقد اختلف في معناها إذا كسرت ألفها ، فكان بعضهم يوجه تأويلها إذا كسرت على أنها الطريقة وأنها مصدر من قول القائل : أممت القوم فأنا أؤمهم إمة . وذكر عن العرب سماعا :
[ ص: 585 ] ما أحسن عمته وإمته وجلسته إذا كان مصدرا . ووجهه بعضهم إذا كسرت ألفها إلى أنها الإمة التي بمعنى النعيم والملك ، كما قال
عدي بن زيد .
ثم بعد الفلاح والملك والإم ة وارتهم هناك القبور
وقال : أراد إمامة الملك ونعيمه . وقال بعضهم : ( الأمة بالضم والإمة بالكسر بمعنى واحد ) .
والصواب من القراءة في ذلك الذي لا أستجيز غيره : الضم في الألف لإجماع الحجة من قراء الأمصار عليه . وأما الذين كسروها فإني لا أراهم قصدوا بكسرها إلا معنى الطريقة والمنهاج ، على ما ذكرناه قبل ، لا النعمة والملك ، لأنه لا وجه لأن يقال : إنا وجدنا آباءنا على نعمة ونحن لهم متبعون في ذلك ، لأن الاتباع إنما يكون في الملل والأديان وما أشبه ذلك لا في الملك والنعمة ، لأن الاتباع في الملك ليس بالأمر الذي يصل إليه كل من أراده .
وقوله : (
وإنا على آثارهم مهتدون ) يقول : وإنا على آثار آبائنا فيما كانوا عليه من دينهم مهتدون ، يعني : لهم متبعون على منهاجهم .
كما حدثني
محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس (
وإنا على آثارهم مهتدون ) يقول : وإنا على دينهم .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة [ ص: 586 ] (
وإنا على آثارهم مهتدون ) يقول : وإنا متبعوهم على ذلك .