[ ص: 592 ] القول في
تأويل قوله تعالى : ( وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ( 31 )
أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون ( 32 ) )
يقول - تعالى ذكره - : وقال هؤلاء المشركون بالله من
قريش لما جاءهم القرآن من عند الله : هذا سحر ، فإن كان حقا فهلا نزل على رجل عظيم من إحدى هاتين القريتين مكة أو الطائف .
واختلف في الرجل الذي وصفوه بأنه عظيم ، فقالوا : هلا نزل عليه هذا القرآن ، فقال بعضهم : هلا نزل على
الوليد بن المغيرة المخزومي من
أهل مكة ، أو
حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي من
أهل الطائف ؟ .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله : (
لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ) قال : يعني بالعظيم :
الوليد بن المغيرة القرشي ، أو
حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي ، وبالقريتين :
مكة والطائف .
وقال آخرون : بل عنى به
عتبة بن ربيعة من
أهل مكة ، وابن [ ص: 593 ] عبد ياليل ، من
أهل الطائف .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد (
على رجل من القريتين عظيم ) قال عتبة بن ربيعة من
أهل مكة ، وابن عبد ياليل الثقفي من
الطائف .
وقال آخرون : بل عنى به من
أهل مكة :
الوليد بن المغيرة ، ومن
أهل الطائف :
ابن مسعود .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن عبد الأعلى قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة ، في قوله : (
رجل من القريتين عظيم ) قال : الرجل :
الوليد بن المغيرة قال : لو كان ما يقول
محمد حقا أنزل علي هذا ، أو على
ابن مسعود الثقفي ، والقريتان :
الطائف ومكة ، وابن مسعود الثقفي من
الطائف اسمه
عروة بن مسعود .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : (
لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ) والقريتان :
مكة والطائف ؛ قال : قد قال ذلك مشركو
قريش ، قال : بلغنا أنه ليس فخذ من
قريش إلا قد ادعته ، وقالوا : هو منا ، فكنا نحدث أن الرجلين :
الوليد بن المغيرة ، وعروة الثقفي أبو مسعود ، يقولون : هلا كان أنزل على أحد هذين الرجلين .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب : قال
ابن زيد ، في قوله : (
لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ) قال : كان أحد العظيمين
عروة بن مسعود الثقفي ، كان عظيم
أهل الطائف .
وقال آخرون : بل عنى به من
أهل مكة :
الوليد بن المغيرة ، ومن
أهل الطائف :
كنانة بن عبد بن عمرو .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
محمد قال : ثنا
أحمد قال : ثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي (
وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ) قال :
الوليد بن المغيرة [ ص: 594 ] القرشي ، وكنانة بن عبد بن عمرو بن عمير ، عظيم
أهل الطائف .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال كما قال - جل ثناؤه - مخبرا عن هؤلاء المشركين (
وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ) إذ كان جائزا أن يكون بعض هؤلاء ، ولم يضع الله تبارك وتعالى لنا الدلالة على الذين عنوا منهم في كتابه ، ولا على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - والاختلاف فيه موجود على ما بينت .
وقوله : (
أهم يقسمون رحمة ربك ) يقول - تعالى ذكره - : أهؤلاء القائلون : لو لا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم يا
محمد ، يقسمون رحمة ربك بين خلقه ، فيجعلون كرامته لمن شاءوا ، وفضله لمن أرادوا ، أم الله الذي يقسم ذلك ، فيعطيه من أحب ، ويحرمه من شاء ؟ .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
أبوكريب قال : ثنا
عثمان بن سعيد قال : ثنا
بشر بن عمارة ، عن
أبي روق ، عن
الضحاك عن
ابن عباس قال : لما بعث الله
محمدا رسولا أنكرت العرب ذلك ، ومن أنكر منهم ، فقالوا : الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا مثل
محمد ، قال : فأنزل الله عز وجل : (
أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس ) وقال (
وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر ) يعني : أهل الكتب الماضية ، أبشرا كانت الرسل التي أتتكم أم ملائكة ؟ فإن كانوا ملائكة أتتكم ، وإن كانوا بشرا فلا تنكرون أن يكون محمد رسولا قال : ثم قال : (
وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى ) أي ليسوا من أهل السماء كما قلتم؛ قال : فلما كرر الله عليهم الحجج قالوا ، وإذا كان بشرا فغير محمد كان أحق بالرسالة ف (
لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ) يقولون : أشرف من
محمد - صلى الله عليه وسلم - يعنون
الوليد بن المغيرة المخزومي ، وكان يسمى ريحانة
قريش ، هذا
[ ص: 595 ] من
مكة ، ومسعود بن عمرو بن عبيد الله الثقفي من
أهل الطائف ، قال : يقول الله عز وجل ردا عليهم (
أهم يقسمون رحمة ربك ) أنا أفعل ما شئت .
وقوله : (
نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ) يقول - تعالى ذكره - : بل نحن نقسم رحمتنا وكرامتنا بين من شئنا من خلقنا ، فنجعل من شئنا رسولا ومن أردنا صديقا ، ونتخذ من أردنا خليلا كما قسمنا بينهم معيشتهم التي يعيشون بها في حياتهم الدنيا من الأرزاق والأقوات ، فجعلنا بعضهم فيها أرفع من بعض درجة ، بل جعلنا هذا غنيا ، وهذا فقيرا ، وهذا ملكا ، وهذا مملوكا (
ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ) .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قال : قال الله تبارك وتعالى (
أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ) فتلقاه ضعيف الحيلة ، عي اللسان ، وهو مبسوط له في الرزق ، وتلقاه شديد الحيلة ، سليط اللسان ، وهو مقتور عليه ، قال الله - جل ثناؤه - : (
نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ) كما قسم بينهم صورهم وأخلاقهم تبارك ربنا وتعالى .
وقوله : (
ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ) يقول : ليستسخر هذا هذا في خدمته إياه ، وفي عود هذا على هذا بما في يديه من فضل ، يقول : جعل - تعالى ذكره - بعضا لبعض سببا فى المعاش ، في الدنيا .
وقد اختلف أهل التأويل فيما عنى بقوله : (
ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ) فقال بعضهم : معناه ما قلنا فيه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
محمد قال : ثنا
أحمد قال : ثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، في قوله :
[ ص: 596 ] (
ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ) قال : يستخدم بعضهم بعضا في السخرة .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ) قال : هم بنو آدم جميعا ، قال : وهذا عبد هذا ، ورفع هذا على هذا درجة ، فهو يسخره بالعمل ، يستعمله به ، كما يقال : سخر فلان فلانا .
وقال بعضهم : بل عنى بذلك : ليملك بعضهم بعضا .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11953يحيى بن واضح قال : ثنا
عبيد بن سليمان ، عن
الضحاك ، في قوله : (
ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ) يعني بذلك : العبيد والخدم سخر لهم .
حدثنا بشر ، قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ) ملكه .
وقوله : (
ورحمة ربك خير مما يجمعون ) يقول - تعالى ذكره - : ورحمة ربك يا
محمد بإدخالهم الجنة خير لهم مما يجمعون من الأموال في الدنيا .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
ورحمة ربك خير مما يجمعون ) يعني الجنة .
حدثنا
محمد قال : ثنا
أحمد قال : ثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي (
ورحمة ربك ) يقول : الجنة خير مما يجمعون في الدنيا .