القول في
تأويل قوله تعالى : ( ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين ( 36 )
وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون ( 37 ) )
يقول - تعالى ذكره - : ومن يعرض عن ذكر الله فلم يخف سطوته ، ولم يخش عقابه (
نقيض له شيطانا فهو له قرين ) يقول : نجعل له شيطانا يغويه فهو له قرين : يقول : فهو للشيطان قرين ، أي يصير كذلك ، وأصل العشو : النظر بغير ثبت لعلة في العين ، يقال منه : عشا فلان يعشو عشوا وعشوا : إذا ضعف بصره ، وأظلمت عينه ، كأن عليه غشاوة ، كما قال الشاعر ؟
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره تجد حطبا جزلا ونارا تأججا
[ ص: 604 ]
يعني : متى تفتقر فتأته يعنك . وأما إذا ذهب البصر ولم يبصر ، فإنه يقال فيه : عشي فلان يعشى عشى منقوص ، ومنه قول
الأعشى ؟
رأت رجلا غائب الوافدين مختلف الخلق أعشى ضريرا
يقال منه : رجل أعشى وامرأة عشواء . وإنما معنى الكلام : ومن لا ينظر في حجج الله بالإعراض منه عنه إلا نظرا ضعيفا ، كنظر من قد عشي بصره (
نقيض له شيطانا ) . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : (
ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا ) يقول : إذا أعرض عن ذكر الله نقيض له شيطانا (
فهو له قرين ) .
حدثنا
محمد قال : ثنا
أحمد قال : ثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، في قوله :
[ ص: 605 ] (
ومن يعش عن ذكر الرحمن ) قال : يعرض .
وقد تأوله بعضهم بمعنى . ومن يعم ، ومن تأول ذلك كذلك ، فيحب أن تكون قراءته (
ومن يعش ) بفتح الشين على ما بينت قيل .
ذكر من تأوله كذلك : حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
ومن يعش عن ذكر الرحمن ) قال : من يعم عن ذكر الرحمن .
وقوله : (
وإنهم ليصدونهم عن السبيل ) يقول - تعالى ذكره - : وإن الشياطين ليصدون هؤلاء الذين يعشون عن ذكر الله ، عن سبيل الحق ، فيزينون لهم الضلالة ، ويكرهون إليهم الإيمان بالله ، والعمل بطاعته (
ويحسبون أنهم مهتدون ) يقول : ويظن المشركون بالله بتحسين الشياطين لهم ما هم عليه من الضلالة ، أنهم على الحق والصواب ، يخبر - تعالى ذكره - عنهم أنهم من الذي هم عليه من الشرك على شك وعلى غير بصيرة . وقال - جل ثناؤه - : (
وإنهم ليصدونهم عن السبيل ) فأخرج ذكرهم مخرج ذكر الجميع ، وإنما ذكر قبل واحدا ، فقال : (
نقيض له شيطانا ) لأن الشيطان وإن كان لفظه واحدا ، ففي معنى جمع .