القول في
تأويل قوله تعالى : ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ( 67 )
يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون ( 68 ) )
يقول - تعالى ذكره - : المتخالون يوم القيامة على معاصي الله في الدنيا ، بعضهم لبعض عدو ، يتبرأ بعضهم من بعض ، إلا الذين كانوا تخالوا فيها على تقوى الله .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
[ ص: 638 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، في قوله : (
الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ) فكل خلة على معصية الله في الدنيا متعادون .
حدثني
علي قال : ثنا
أبو صالح قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس قوله (
الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ) فكل خلة هي عداوة إلا خلة المتقين .
حدثنا
ابن عبد الأعلى قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
أبي إسحاق ، أن
عليا رضي الله عنه قال : خليلان مؤمنان ، وخليلان كافران ، فمات أحد المؤمنين فقال : يا رب إن فلانا كان يأمرني بطاعتك وطاعة رسولك ، ويأمرني بالخير ، وينهاني عن الشر ويخبرني أني ملاقيك يارب فلا تضله بعدي واهده كما هديتني وأكرمه كما أكرمتني ، فإذا مات خليله المؤمن جمع بينهما فيقول : ليثن أحدكما على صاحبه فيقول : يا رب إنه كان يأمرني بطاعتك وطاعة رسولك ، ويأمرني بالخير ، وينهاني عن الشر ، ويخبرني أني ملاقيك ، فيقول : نعم الخليل ، ونعم الأخ ، ونعم الصاحب؛ قال : ويموت أحد الكافرين فيقول : يا رب إن فلانا كان ينهاني عن طاعتك وطاعة رسولك ، ويأمرني بالشر ، وينهاني عن الخير ، ويخبرني أني غير ملاقيك ، فيقول : بئس الأخ ، وبئس الخليل ، وبئس الصاحب .
وقوله : (
يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون ) وفي هذا الكلام محذوف استغني بدلالة ما ذكر عليه . ومعنى الكلام : الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ، فإنهم يقال لهم : يا عبادي لا خوف عليكم اليوم من عقابي ، فإني قد أمنتكم منه برضاي عنكم ، ولا أنتم تحزنون على فراق الدنيا فإن الذي قدمتم عليه خير لكم مما فارقتموه منها .
وذكر أن الناس ينادون هذا النداء يوم القيامة ، فيطمع فيها من ليس من
[ ص: 639 ] أهلها حتى يسمع قوله : (
الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين ) فييأس منها عند ذلك .
حدثنا
ابن عبد الأعلى قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة قال : ثنا
المعتمر ، عن أبيه ، قال سمعت أن الناس حين يبعثون ليس منهم أحد إلا فزع ، فينادي مناد : يا عباد الله لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون ، فيرجوها الناس كلهم ، قال : فيتبعها (
الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين ) قال : فييأس الناس منها غير المسلمين .