القول في تأويل قوله تعالى (
وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله )
قال
أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في التي وصفها الله جل وعز بأنها كانت "كبيرة إلا على الذين هدى الله " .
[ ص: 164 ]
فقال بعضهم : عنى جل ثناؤه ب "الكبيرة " ، التولية من
بيت المقدس شطر
المسجد الحرام والتحويل . وإنما أنث "الكبيرة " ، لتأنيث "التولية " .
ذكر من قال ذلك :
2210 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
عبد الله بن صالح ، عن
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس ، قال الله : "وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله " ، يعني : تحويلها .
2211 - حدثني
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم قال : حدثنا
عيسى بن ميمون ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قول الله عز وجل : "وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله " قال : ما أمروا به من التحول إلى
الكعبة من
بيت المقدس .
2212 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو حذيفة قال : حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد مثله .
2213 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا
معمر ، عن
قتادة في قوله : "لكبيرة إلا على الذين هدى الله " قال : كبيرة ، حين حولت القبلة إلى
المسجد الحرام ، فكانت كبيرة إلا على الذين هدى الله .
وقال آخرون : بل "الكبيرة " ، هي القبلة بعينها التي كان صلى الله عليه وسلم يتوجه إليها من
بيت المقدس قبل التحويل .
ذكر من قال ذلك .
2214 - حدثت عن
عمار بن الحسن قال : حدثنا
عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن
الربيع ، عن
أبي العالية : "وإن كانت لكبيرة " ، أي : قبلة
بيت المقدس - "إلا على الذين هدى الله " .
[ ص: 165 ]
وقال بعضهم : بل "الكبيرة " هي الصلاة التي كانوا يصلونها إلى القبلة الأولى .
ذكر من قال ذلك .
2215 - حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=17418يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد : "وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله " قال : صلاتكم حتى يهديكم الله عز وجل القبلة .
2216 - وقد حدثني به
يونس مرة أخرى قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد : "وإن كانت لكبيرة " قال : صلاتك هاهنا - يعني إلى
بيت المقدس ستة عشر شهرا - وانحرافك هاهنا
وقال بعض نحويي
البصرة : أنثت "الكبيرة " لتأنيث القبلة ، وإياها عنى جل ثناؤه بقوله : "وإن كانت لكبيرة " .
وقال بعض نحويي
الكوفة : بل أنثت "الكبيرة " لتأنيث التولية والتحويلة
فتأويل الكلام على ما تأوله قائلو هذه المقالة : وما جعلنا تحويلتنا إياك عن القبلة التي كنت عليها وتوليتناك عنها ، إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه ، وإن كانت تحويلتنا إياك عنها وتوليتناك "لكبيرة إلا على الذين هدى الله " .
وهذا التأويل أولى التأويلات عندي بالصواب . لأن القوم إنما كبر عليهم تحويل النبي صلى الله عليه وسلم وجهه عن القبلة الأولى إلى الأخرى ، لا عين القبلة ، ولا الصلاة . لأن القبلة الأولى والصلاة ، قد كانت وهى غير كبيرة عليهم . إلا أن يوجه موجه تأنيث "الكبيرة " إلى "القبلة " ، ويقول : اجتزئ بذكر "القبلة " من ذكر "التولية والتحويلة " ، لدلالة الكلام على معنى ذلك ، كما قد وصفنا لك في نظائره . فيكون ذلك وجها صحيحا ، ومذهبا مفهوما .
[ ص: 166 ]
ومعنى قوله : "كبيرة " ، عظيمة ، . كما : -
2217 - حدثنا
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد : "وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله " قال : كبيرة في صدور الناس ، فيما يدخل الشيطان به ابن
آدم . قال : ما لهم صلوا إلى هاهنا ستة عشر شهرا ثم انحرفوا! فكبر ذلك في صدور من لا يعرف ولا يعقل والمنافقين ، فقالوا : أي شيء هذا الدين ؟ وأما الذين آمنوا ، فثبت الله جل ثناؤه ذلك في قلوبهم ، وقرأ قول الله "وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله " قال : صلاتكم حتى يهديكم إلى القبلة .
قال
أبو جعفر : وأما قوله : "إلا على الذين هدى الله " ، فإنه يعني به :
وإن كان تقليبتناك عن القبلة التي كنت عليها ، لعظيمة إلا على من وفقه الله جل ثناؤه ، فهداه لتصديقك والإيمان بك وبذلك ، واتباعك فيه ، وفي ما أنزل الله تعالى ذكره عليك ، كما : -
2218 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو صالح قال : حدثني
معاوية بن صالح ، عن
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس : "وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله " ، يقول : إلا على الخاشعين ، يعني المصدقين بما أنزل الله تبارك وتعالى .
[ ص: 167 ]