القول في
تأويل قوله تعالى : ( ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون ( 86 ) )
[ ص: 654 ]
اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : ولا يملك
عيسى وعزير والملائكة الذين يعبدهم هؤلاء المشركون بالساعة الشفاعة عند الله لأحد ، إلا من شهد بالحق ، فوحد الله وأطاعه ، بتوحيد علم منه وصحة بما جاءت به رسله .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد قوله : (
ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة ) قال :
عيسى ،
وعزير ، والملائكة .
قوله : (
إلا من شهد بالحق ) قال كلمة الإخلاص ، وهم يعلمون أن الله حق ،
وعيسى وعزير والملائكة يقول : لا يشفع
عيسى وعزير والملائكة إلا من شهد بالحق ، وهو يعلم الحق .
وقال آخرون : عنى بذلك : ولا تملك الآلهة التي يدعوها المشركون ويعبدونها من دون الله الشفاعة إلا
عيسى وعزير وذووهما ، والملائكة الذين شهدوا بالحق ، فأقروا به وهم يعلمون حقيقة ما شهدوا به .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون ) : الملائكة
وعيسى وعزير ، قد عبدوا من دون الله ولهم شفاعة عند الله ومنزلة .
حدثنا
ابن عبد الأعلى قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة (
إلا من شهد بالحق ) قال : الملائكة
وعيسى ابن مريم وعزير ، فإن لهم عند الله شهادة .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله - تعالى ذكره - أخبر أنه لا يملك الذين يعبدهم المشركون من دون الله الشفاعة عنده لأحد ، إلا من شهد
[ ص: 655 ] بالحق ، وشهادته بالحق : هو إقراره بتوحيد الله . يعني بذلك : إلا من آمن بالله ، وهم يعلمون حقيقة توحيده ، ولم يخصص بأن الذي لا يملك ملك الشفاعة منهم بعض من كان يعبد من دون الله ، فذلك على جميع من كان تعبد
قريش من دون الله يوم نزلت هذه الآية وغيرهم ، وقد كان فيهم من يعبد من دون الله الآلهة ، وكان فيهم من يعبد من دونه الملائكة وغيرهم ، فجميع أولئك داخلون في قوله : ولا يملك الذين يدعو
قريش وسائر العرب من دون الله الشفاعة عند الله . ثم استثنى - جل ثناؤه - بقوله : (
إلا من شهد بالحق وهم يعلمون ) وهم الذين يشهدون شهادة الحق فيوحدون الله ، ويخلصون له الوحدانية ، على علم منهم ويقين بذلك أنهم يملكون الشفاعة عنده بإذنه لهم بها ، كما قال - جل ثناؤه - : (
ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ) فأثبت - جل ثناؤه - للملائكة
وعيسى وعزير ملكهم من الشفاعة ما نفاه عن الآلهة والأوثان باستثنائه الذي استثناه .