القول في
تأويل قوله تعالى : ( وأن لا تعلوا على الله إني آتيكم بسلطان مبين ( 19 )
وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون ( 20 )
وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون ( 21 ) )
يقول - تعالى ذكره - : وجاءهم رسول كريم ، أن أدوا إلي عباد الله ، وبأن لا تعلوا على الله .
وعنى بقوله (
وأن لا تعلوا على الله ) أن لا تطغوا وتبغوا على ربكم ، فتكفروا به وتعصوه ، فتخالفوا أمره (
إني آتيكم بسلطان مبين ) يقول : إني آتيكم بحجة على حقيقة ما أدعوكم إليه ، وبرهان على صحته ، مبين لمن تأملها وتدبرها أنها حجة لي على صحة ما أقول لكم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
[ ص: 26 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله (
وأن لا تعلوا على الله ) : أي لا تبغوا على الله (
إني آتيكم بسلطان مبين ) : أي بعذر مبين .
حدثنا
ابن عبد الأعلى قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة ، بنحوه .
حدثني
محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله (
وأن لا تعلوا على الله ) يقول : لا تفتروا على الله .
وقوله (
وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون ) يقول : وإني اعتصمت بربي وربكم ، واستجرت به منكم أن ترجمون .
واختلف أهل التأويل في معنى الرجم الذي استعاذ
موسى نبي الله عليه السلام بربه منه ، فقال بعضهم : هو الشتم باللسان .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله (
وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون ) قال : يعني رجم القول .
حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى قال : ثنا
عثمان بن عمر بن فارس قال : ثنا
شعبة ، عن
إسماعيل بن أبي خالد ، عن
أبي صالح في قوله (
وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون ) قال : الرجم بالقول .
حدثنا
أبو هشام الرفاعي قال : ثنا
يحيى بن يمان قال : ثنا
سفيان ، عن
إسماعيل ، عن
أبي صالح (
وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون ) قال : أن تقولوا هو ساحر .
[ ص: 27 ]
وقال آخرون : بل هو الرجم بالحجارة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون ) : أي أن ترجمون بالحجارة .
حدثنا
ابن عبد الأعلى قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة (
أن ترجمون ) قال : أن ترجمون بالحجارة .
وقال آخرون : بل عنى بقوله (
أن ترجمون ) : أن تقتلوني .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ما دل عليه ظاهر الكلام ، وهو أن
موسى عليه السلام استعاذ بالله من أن يرجمه
فرعون وقومه ، والرجم قد يكون قولا باللسان ، وفعلا باليد . والصواب أن يقال : استعاذ
موسى بربه من كل معاني رجمهم الذي يصل منه إلى المرجوم أذى ومكروه ، شتما كان ذلك باللسان ، أو رجما بالحجارة باليد .
وقوله (
وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون ) يقول - تعالى ذكره - مخبرا عن قيل نبيه
موسى عليه السلام
لفرعون وقومه : وإن أنتم أيها القوم لم تصدقوني على ما جئتكم به من عند ربي ، فاعتزلون : يقول : فخلوا سبيلي غير مرجوم باللسان ولا باليد .
كما حدثنا
محمد بن عبد الأعلى قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة (
وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون ) : أي فخلوا سبيلي .