القول في
تأويل قوله تعالى : ( فدعا ربه أن هؤلاء قوم مجرمون ( 22 )
فأسر بعبادي ليلا إنكم متبعون ( 23 )
واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون ( 24 ) )
يقول - تعالى ذكره - : فدعا
موسى ربه إذ كذبوه ولم يؤمنوا به ، ولم يؤد
[ ص: 28 ] إليه عباد الله ، وهموا بقتله بأن هؤلاء ، يعني
فرعون وقومه (
قوم مجرمون ) يعني : أنهم مشركون بالله كافرون .
وقوله (
فأسر بعبادي ) وفي الكلام محذوف استغني بدلالة ما ذكر عليه منه ، وهو : فأجابه ربه بأن قال له : فأسر إذ كان الأمر كذلك بعبادي ، وهم
بنو إسرائيل ، وإنما معنى الكلام : فأسر بعبادي الذين صدقوك وآمنوا بك ، واتبعوك دون الذين كذبوك منهم ، وأبوا قبول ما جئتهم به من النصيحة منك ، وكان الذين كانوا بهذه الصفة يومئذ
بني إسرائيل . وقال : (
فأسر بعبادي ليلا ) لأن معنى ذلك : سر بهم بليل قبل الصباح .
وقوله (
إنكم متبعون ) يقول : إن
فرعون وقومه من القبط متبعوكم إذا شخصتم عن بلدهم وأرضهم في آثاركم .
وقوله (
واترك البحر رهوا ) يقول : وإذا قطعت البحر أنت وأصحابك ، فاتركه ساكنا على حاله التي كان عليها حين دخلته . وقيل : إن الله - تعالى ذكره - قال
لموسى هذا القول بعد ما قطع البحر
ببني إسرائيل فإذ كان ذلك كذلك ، ففي الكلام محذوف ، وهو : فسرى
موسى بعبادي ليلا وقطع بهم البحر ، فقلنا له بعد ما قطعه ، وأراد رد البحر إلى هيئته التي كان عليها قبل انفلاقه : اتركه رهوا .
ذكر من قال ما ذكرنا من أن الله - عز وجل - قال
لموسى - صلى الله عليه وسلم - هذا القول بعد ما قطع البحر بقومه :
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله (
فدعا ربه أن هؤلاء قوم مجرمون ) حتى بلغ (
إنهم جند مغرقون ) قال : لما خرج آخر
بني إسرائيل أراد نبي الله - صلى الله عليه وسلم - أن يضرب البحر بعصاه ، حتى يعود كما كان مخافة
آل فرعون أن يدركوهم ، فقيل له (
واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون ) .
حدثنا
ابن عبد الأعلى قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة قال :
[ ص: 29 ] لما قطع البحر ، عطف ليضرب البحر بعصاه ليلتئم ، وخاف أن يتبعه
فرعون وجنوده ، فقيل له : (
واترك البحر رهوا ) كما هو (
إنهم جند مغرقون ) .
واختلف أهل التأويل في معنى الرهو ، فقال بعضهم : معناه : اتركه على هيئته وحاله التي كان عليها .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي قال : ثنا
أبو صالح قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس قوله (
واترك البحر رهوا ) يقول : سمتا .
حدثني
محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله (
واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون ) قال : الرهو : أن يترك كما كان ، فإنهم لن يخلصوا من ورائه .
حدثني
يعقوب بن إبراهيم قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية قال : أخبرنا
حميد ، عن
إسحاق ، عن
عبد الله بن الحارث ، عن أبيه ، أن
ابن عباس سأل
كعبا عن قول الله (
واترك البحر رهوا ) قال : طريقا .
وقال آخرون : بل معناه : اتركه سهلا .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
حكام ، عن
أبي جعفر ، عن
الربيع قوله (
واترك البحر رهوا ) قال : سهلا .
حدثني
محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله (
واترك البحر رهوا ) قال : يقال : الرهو : السهل .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى قال : ثنا
حرمي بن عمارة قال : ثنا
شعبة قال : أخبرني
عمارة ، عن
الضحاك بن مزاحم ، فى قول الله - عز وجل - (
واترك البحر رهوا ) قال : دمثا .
[ ص: 30 ]
حدثت عن
الحسين قال : سمعت
أبا معاذ يقول :
عبيد قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله (
واترك البحر رهوا ) قال : سهلا دمثا .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله (
واترك البحر رهوا ) قال : هو السهل .
وقال آخرون : بل معناه : واتركه يبسا جددا .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى قال : ثني
عبيد الله بن معاذ قال : ثني أبي ، عن
شعبة ، عن
سماك ، عن
عكرمة في قوله (
واترك البحر رهوا ) قال : جددا .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى قال : ثني
عبيد الله بن معاذ قال : ثنا أبي ، عن
شعبة ، عن
سماك ، عن
عكرمة في قوله (
واترك البحر رهوا ) قال : يابسا كهيئته بعد أن ضربه ، يقول : لا تأمره يرجع ، اتركه حتى يدخل آخرهم .
حدثنا
ابن عبد الأعلى قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قوله ( رهوا ) قال : طريقا يبسا .
حدثنا
ابن عبد الأعلى قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة (
واترك البحر رهوا ) كما هو طريقا يابسا .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال معناه : اتركه على هيئته كما هو على الحال التي كان عليها حين سلكته ، وذلك أن الرهو في كلام العرب : السكون ، كما قال الشاعر :
كأنما أهل حجر ينظرون متى يرونني خارجا طير يناديد طير رأت بازيا نضح الدماء به
وأمه خرجت رهوا إلى عيد
[ ص: 31 ]
يعني على سكون ، وإذا كان ذلك معناه كان لا شك أنه متروك سهلا دمثا ، وطريقا يبسا لأن
بني إسرائيل قطعوه حين قطعوه ، وهو كذلك ، فإذا ترك البحر رهوا كما كان حين قطعه
موسى ساكنا لم يهج كان لا شك أنه بالصفة التي وصفت .
وقوله (
إنهم جند مغرقون ) يقول : إن
فرعون وقومه جند ، الله مغرقهم في البحر .