القول في تأويل قوله تعالى (
وما كان الله ليضيع إيمانكم )
قال
أبو جعفر : قيل : عنى ب "الإيمان " ، في هذا الموضع : الصلاة .
ذكر الأخبار التي رويت بذلك ، وذكر قول من قاله :
2219 - حدثنا
أبو كريب قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع وعبيد الله - وحدثنا
سفيان بن وكيع قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16527عبيد الله بن موسى - جميعا ، عن
إسرائيل ، عن
سماك ، عن
عكرمة ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=810074عن ابن عباس قال : لما وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة قالوا : كيف بمن مات من إخواننا قبل ذلك ، وهم يصلون نحو بيت المقدس ؟ فأنزل الله جل ثناؤه : "وما كان الله ليضيع إيمانكم " .
2220 - حدثني
إسماعيل بن موسى قال : أخبرنا
شريك ، عن
أبي إسحاق ، عن
البراء في قول الله عز وجل : "وما كان الله ليضيع إيمانكم " قال : صلاتكم نحو
بيت المقدس .
2221 - حدثنا
أحمد بن إسحاق الأهوازي قال : حدثنا
أبو أحمد الزبيري قال : حدثنا
شريك ، عن
أبي إسحاق ، عن
البراء نحوه .
2222 - وحدثني
المثنى قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15424عبد الله بن محمد بن نفيل الحراني قال : حدثنا
زهير قال : حدثنا
أبو إسحاق ، عن
البراء قال : مات على القبلة قبل أن تحول إلى البيت
[ ص: 168 ] رجال وقتلوا ، فلم ندر ما نقول فيهم . فأنزل الله تعالى ذكره : "وما كان الله ليضيع إيمانكم " .
2223 - حدثنا
بشر بن معاذ العقدي قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17360يزيد بن زريع قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة قال : قال أناس من الناس - لما صرفت القبلة نحو
البيت الحرام - : كيف بأعمالنا التي كنا نعمل في قبلتنا ؟ فأنزل الله جل ثناؤه : "وما كان الله ليضيع إيمانكم " .
2224 - حدثني
موسى بن هارون قال : حدثني
عمرو بن حماد قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي قال : لما وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل
المسجد الحرام ، قال المسلمون : ليت شعرنا عن إخواننا الذين ماتوا وهم يصلون قبل
بيت المقدس ! هل تقبل الله منا ومنهم أم لا ؟ فأنزل الله جل ثناؤه فيهم : "وما كان الله ليضيع إيمانكم " قال : صلاتكم قبل
بيت المقدس : يقول : إن تلك طاعة وهذه طاعة .
2225 - حدثت عن
عمار بن الحسن قال : حدثنا
ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن
الربيع قال : قال ناس - لما صرفت القبلة إلى
البيت الحرام - : كيف بأعمالنا التي كنا نعمل في قبلتنا الأولى ؟ فأنزل الله تعالى ذكره : "وما كان الله ليضيع إيمانكم " الآية .
2226 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، أخبرني
داود بن أبي عاصم قال : لما صرف رسول الله صلى الله
[ ص: 169 ] عليه وسلم إلى
الكعبة ، قال المسلمون : هلك أصحابنا الذين كانوا يصلون إلى
بيت المقدس ! فنزلت : "وما كان الله ليضيع إيمانكم " .
2227 - حدثنا
محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس في قوله : "وما كان الله ليضيع إيمانكم " ، يقول : صلاتكم التي صليتموها من قبل أن تكون القبلة . فكان المؤمنون قد أشفقوا على من صلى منهم أن لا تقبل صلاتهم .
2228 - حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=17418يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد : "وما كان الله ليضيع إيمانكم " ، صلاتكم .
2229 - حدثنا
محمد بن إسماعيل الفزاري قال : أخبرنا
المؤمل قال : حدثنا
سفيان ، حدثنا
يحيى بن سعيد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب في هذه الآية : "وما كان الله ليضيع إيمانكم " قال : صلاتكم نحو
بيت المقدس .
قال
أبو جعفر : قد دللنا فيما مضى على أن "الإيمان " التصديق . وأن التصديق قد يكون بالقول وحده ، وبالفعل وحده ، وبهما جميعا .
فمعنى قوله : "وما كان الله ليضيع إيمانكم " - على ما تظاهرت به الرواية من أنه الصلاة - : وما كان الله ليضيع تصديق رسوله عليه السلام ، بصلاتكم التي صليتموها نحو
بيت المقدس عن أمره ، لأن ذلك كان منكم تصديقا لرسولي ، واتباعا لأمري ، وطاعة منكم لي .
قال : "وإضاعته إياه " جل ثناؤه - لو أضاعه - : ترك إثابة أصحابه وعامليه عليه ، فيذهب ضياعا ، ويصير باطلا كهيئة "إضاعة الرجل ماله " ، وذلك إهلاكه إياه فيما لا يعتاض منه عوضا في عاجل ولا آجل .
[ ص: 170 ]
فأخبر الله جل ثناؤه أنه لم يكن يبطل عمل عامل عمل له عملا وهو له طاعة ، فلا يثيبه عليه ، وإن نسخ ذلك الفرض بعد عمل العامل إياه على ما كلفه من عمله .
فإن قال قائل : وكيف قال الله جل ثناؤه : "وما كان الله ليضيع إيمانكم " ، فأضاف الإيمان إلى الأحياء المخاطبين ، والقوم المخاطبون بذلك إنما كانوا أشفقوا على إخوانهم الذين كانوا ماتوا وهم يصلون نحو
بيت المقدس ، وفي ذلك من أمرهم أنزلت هذه الآية ؟
قيل : إن القوم وإن كانوا أشفقوا من ذلك ، فإنهم أيضا قد كانوا مشفقين من حبوط ثواب صلاتهم التي صلوها إلى
بيت المقدس قبل التحويل إلى
الكعبة ، وظنوا أن عملهم ذلك قد بطل وذهب ضياعا ؟ فأنزل الله جل ثناؤه هذه الآية حينئذ ، فوجه الخطاب بها إلى الأحياء ودخل فيهم الموتى منهم . لأن من شأن العرب - إذا اجتمع في الخبر المخاطب والغائب - أن يغلبوا المخاطب فيدخل الغائب في الخطاب . فيقولوا لرجل خاطبوه على وجه الخبر عنه وعن آخر غائب غير حاضر : "فعلنا بكما وصنعنا بكما " ، كهيئة خطابهم لهما وهما حاضران ، ولا يستجيزون أن يقولوا : "فعلنا بهما " ، وهم يخاطبون أحدهما ، فيردوا المخاطب إلى عداد الغيب .