القول في تأويل قوله تعالى (
قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام )
قال
أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : قد نرى يا
محمد نحن تقلب وجهك في السماء .
ويعني : ب"التقلب " ، التحول والتصرف .
ويعني بقوله : "في السماء" ، نحو السماء وقبلها .
وإنما قيل له ذلك صلى الله عليه وسلم - فيما بلغنا - لأنه كان قبل تحويل قبلته من
بيت المقدس إلى
الكعبة يرفع بصره إلى السماء ينتظر من الله جل ثناؤه أمره بالتحويل نحو
الكعبة ، كما : -
2230 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا
معمر ، عن
قتادة في قوله : "قد نرى تقلب وجهك في السماء " قال : كان صلى الله عليه وسلم يقلب وجهه في السماء ، يحب أن يصرفه الله عز وجل إلى
الكعبة ، حتى صرفه الله إليها .
2231 - حدثنا
بشر بن معاذ قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : "قد نرى تقلب وجهك في السماء" ، فكان نبي الله صلى الله عليه وسلم يصلي نحو
بيت المقدس ، يهوى ويشتهي القبلة نحو
البيت الحرام ، فوجهه الله جل ثناؤه لقبلة كان يهواها ويشتهيها .
[ ص: 173 ]
2232 - حدثنا
المثنى قال : حدثني
إسحاق قال : حدثني
ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن
الربيع في قوله : "قد نرى تقلب وجهك في السماء" ، يقول : نظرك في السماء . وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقلب وجهه في الصلاة وهو يصلي نحو
بيت المقدس ، وكان يهوى قبلة
البيت الحرام ، فولاه الله قبلة كان يهواها .
2233 - حدثني
موسى بن هارون قال : حدثنا
عمرو بن حماد قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي قال : كان الناس يصلون قبل
بيت المقدس ، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة على رأس ثمانية عشر شهرا من مهاجره ، كان إذا صلى رفع رأسه إلى السماء ينظر ما يؤمر ، وكان يصلي قبل
بيت المقدس ، فنسختها
الكعبة . فكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يصلي قبل
الكعبة ، فأنزل الله جل ثناؤه : "قد نرى تقلب وجهك في السماء " الآية .
ثم اختلف في
السبب الذي من أجله كان صلى الله عليه وسلم يهوى قبلة الكعبة .
قال بعضهم : كره قبلة
بيت المقدس ، من أجل أن
اليهود قالوا : يتبع قبلتنا ويخالفنا في ديننا!
ذكر من قال ذلك :
2234 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد قال : قالت
اليهود : يخالفنا محمد ويتبع قبلتنا! فكان يدعو الله جل ثناؤه ، ويستفرض للقبلة ، فنزلت : "قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام" ، - وانقطع قول يهود :
[ ص: 174 ] يخالفنا ويتبع قبلتنا! - في صلاة الظهر ، . فجعل الرجال مكان النساء ، والنساء مكان الرجال .
2235 - حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : سمعته - يعني
ابن زيد - يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=812706قال الله تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : "فأينما تولوا فثم وجه الله " . قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هؤلاء قوم يهود يستقبلون بيتا من بيوت الله - لبيت المقدس - ولو أنا استقبلناه! فاستقبله النبي صلى الله عليه وسلم ستة عشر شهرا ، فبلغه أن يهود تقول : والله ما درى محمد وأصحابه أين قبلتهم حتى هديناهم! فكره ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، ورفع وجهه إلى السماء ، فقال الله جل ثناؤه : "قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام" الآية .
وقال آخرون : بل كان يهوى ذلك ، من أجل أنه كان قبلة أبيه
إبراهيم عليه السلام .
ذكر من قال ذلك :
2236 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
عبد الله بن صالح قال : حدثنا
معاوية بن صالح ، عن
علي بن أبي طلحة ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=811932عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة ، وكان أكثر أهلها اليهود ، أمره الله عز وجل أن يستقبل بيت المقدس . ففرحت اليهود . فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة عشر شهرا ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب قبلة إبراهيم ، فكان يدعو وينظر إلى السماء ، فأنزل الله عز وجل : "قد نرى تقلب وجهك في السماء" الآية .
[ ص: 175 ]
فأما قوله : "فلنولينك قبلة ترضاها " ، فإنه يعني : فلنصرفنك عن
بيت المقدس ، إلى قبلة "ترضاها " : تهواها وتحبها .
وأما قوله : "فول وجهك " ، يعني : اصرف وجهك وحوله .
وقوله : "شطر المسجد الحرام " ، يعني : ب"الشطر" ، النحو والقصد والتلقاء ، كما قال
الهذلي :
إن العسير بها داء مخامرها فشطرها نظر العينين محسور
يعني بقوله : "شطرها" ، نحوها . وكما قال
ابن أحمر :
تعدو بنا شطر جمع وهي عاقدة ، قد كارب العقد من إيفادها الحقبا
[ ص: 176 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
2237 - حدثنا
سفيان بن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن
سفيان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15854داود بن أبي هند ، عن
أبي العالية : "شطر المسجد الحرام" ، يعني : تلقاءه .
2238 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
عبد الله بن صالح قال : حدثني
معاوية ، عن
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس : "شطر المسجد الحرام" : نحوه .
2239 - حدثنا
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم قال : حدثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد قوله : "
فول وجهك شطر المسجد الحرام " ، نحوه .
2240 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو حذيفة قال : حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، مثله .
2241 - حدثنا
بشر بن معاذ قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17360يزيد بن زريع ، عن
سعيد ، عن
قتادة : "
فول وجهك شطر المسجد الحرام " ، أي تلقاء
المسجد الحرام .
2242 - حدثنا
الحسين بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا
معمر ، عن
قتادة في قوله : "فول وجهك شطر المسجد الحرام" قال : نحو
المسجد الحرام .
[ ص: 177 ]
2243 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن
الربيع : "
فول وجهك شطر المسجد الحرام " ، أي تلقاءه .
2244 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : أخبرني
nindex.php?page=showalam&ids=16666عمرو بن دينار ، عن
ابن عباس أنه قال : "شطره" ، نحوه .
2245 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
الحماني قال : حدثنا
شريك ، عن
أبي إسحاق ، عن
البراء : "فولوا وجوهكم شطره" قال : قبله .
2246 - حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد : "شطره" ، ناحيته ، جانبه . قال : وجوانبه : "شطوره " .
ثم اختلفوا في
المكان الذي أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يولي وجهه إليه من المسجد الحرام .
فقال بعضهم : القبلة التي حول إليها النبي صلى الله عليه وسلم ، وعناها الله تعالى ذكره بقوله
فلنولينك قبلة ترضاها ، حيال ميزاب
الكعبة .
ذكر من قال ذلك :
2247 - حدثني
عبد الله بن أبي زياد قال : حدثنا
عثمان قال : أخبرنا
شعبة ، عن
يعلى بن عطاء ، عن
يحيى بن قمطة ، عن
عبد الله بن عمرو : "فلنولينك قبلة ترضاها" ، حيال ميزاب
الكعبة .
[ ص: 178 ]
2248 - وحدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : حدثنا
هشيم ، عن
يعلى بن عطاء ، عن
يحيى بن قمطة قال : رأيت
عبد الله بن عمرو جالسا في
المسجد الحرام بإزاء الميزاب ، وتلا هذه الآية : "فلنولينك قبلة ترضاها" قال : هذه القبلة ، هي هذه القبلة .
2249 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثنا
هشيم - بإسناده عن
عبد الله بن عمرو ، نحوه - إلا أنه قال : استقبل الميزاب فقال : هذه القبلة التي قال الله لنبيه : "فلنولينك قبلة ترضاها " .
وقال آخرون : بل ذلك البيت كله قبلة ، وقبلة البيت الباب .
ذكر من قال ذلك :
[ ص: 179 ]
2250 - حدثني
يعقوب قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، عن
عطاء بن السائب ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس : البيت كله قبلة ، وهذه قبلة البيت - يعني التي فيها الباب .
قال
أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي ما قال الله جل ثناؤه : "فول وجهك شطر
المسجد الحرام " ، فالمولي وجهه شطر
المسجد الحرام ، هو المصيب القبلة . وإنما على من توجه إليه النية بقلبه أنه إليه متوجه ، كما أن على من ائتم بإمام فإنما عليه الائتمام به ، وإن لم يكن محاذيا بدنه بدنه ، وإن كان في طرف الصف والإمام في طرف آخر ، عن يمينه أو عن يساره ، بعد أن يكون من خلفه مؤتما به ، مصليا إلى الوجه الذي يصلي إليه الإمام . فكذلك حكم القبلة ، وإن لم يكن يحاذيها كل مصل ومتوجه إليها ببدنه ، غير أنه متوجه إليها . فإن كان عن يمينها أو عن يسارها مقابلها ، فهو مستقبلها ، بعد ما بينه وبينها ، أو قرب ، من عن يمينها أو عن يسارها ، بعد أن يكون غير مستدبرها ولا منحرف عنها ببدنه ووجهه ، كما :
2251 - حدثنا
أحمد بن إسحاق الأهوازي قال : حدثنا
أبو أحمد الزبيري قال : أخبرنا
إسرائيل ، عن
أبي إسحاق ، عن
عميرة بن زياد الكندي ، عن
علي : "
فول وجهك شطر المسجد الحرام " قال : شطره ، قبله .
[ ص: 180 ]
قال
أبو جعفر : وقبلة البيت : بابه ، كما : -
2252 - حدثني
يعقوب بن إبراهيم والفضل بن الصباح قالا حدثنا
هشيم قال : أخبرنا
عبد الملك ، عن
عطاء قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=810075قال أسامة بن زيد : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج من البيت أقبل بوجهه إلى الباب ، فقال : هذه القبلة ، هذه القبلة .
2253 - حدثنا
ابن حميد nindex.php?page=showalam&ids=16010وسفيان بن وكيع قالا حدثنا
جرير ، عن
عبد الملك بن أبي سليمان ، عن
عطاء ، قال : حدثني
أسامة بن زيد قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=811266خرج النبي صلى [ ص: 181 ] الله عليه وسلم من البيت ، فصلى ركعتين مستقبلا بوجهه الكعبة ، فقال : هذه القبلة مرتين .
2254 - حدثنا
أبو كريب قال : حدثنا
عبد الرحيم بن سليمان ، عن
عبد الملك ، عن
عطاء ، عن
أسامة بن زيد ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه .
2255 - حدثنا
سعيد بن يحيى الأموي قال : حدثنا أبي قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال : قلت
لعطاء : سمعت
ابن عباس يقول : إنما أمرتم بالطواف ولم تؤمروا بدخوله . قال : قال : لم يكن ينهى عن دخوله ، ولكني سمعته يقول : أخبرني
أسامة بن زيد أن
nindex.php?page=hadith&LINKID=810076رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل البيت دعا في نواحيه كلها ، ولم يصل حتى خرج ، فلما خرج ركع في قبل القبلة ركعتين ، وقال : هذه القبلة .
[ ص: 182 ]
قال
أبو جعفر : فأخبر صلى الله عليه وسلم أن البيت هو القبلة ، وأن قبلة البيت بابه .