القول في
تأويل قوله تعالى : ( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون ( 23 ) )
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله (
أفرأيت من اتخذ إلهه هواه ) فقال بعضهم : معنى ذلك : أفرأيت من اتخذ دينه بهواه ، فلا يهوى شيئا إلا ركبه ؛ لأنه لا يؤمن بالله ، ولا يحرم ما حرم ، ولا يحلل ما حلل ، إنما دينه ما هويته نفسه يعمل به .
[ ص: 76 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي قال : ثنا
أبو صالح قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس في قوله (
أفرأيت من اتخذ إلهه هواه ) قال : ذلك الكافر اتخذ دينه بغير هدى من الله ولا برهان .
حدثنا
ابن عبد الأعلى قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة في قوله (
أفرأيت من اتخذ إلهه هواه ) قال : لا يهوى شيئا إلا ركبه لا يخاف الله .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : أفرأيت من اتخذ معبوده ما هويت عبادته نفسه من شيء .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
يعقوب ، عن
جعفر ، عن
سعيد قال : كانت
قريش تعبد العزى ، وهو حجر أبيض ، حينا من الدهر ، فإذا وجدوا ما هو أحسن منه طرحوا الأول وعبدوا الآخر ، فأنزل الله (
أفرأيت من اتخذ إلهه هواه ) .
وأولى التأويلين في ذلك بالصواب قول من قال : معنى ذلك : أفرأيت يا
محمد من اتخذ معبوده هواه ، فيعبد ما هوى من شيء دون إله الحق الذي له الألوهة من كل شيء ؛ لأن ذلك هو الظاهر من معناه دون غيره .
وقوله (
وأضله الله على علم ) يقول - تعالى ذكره - : وخذله عن محجة الطريق ، وسبيل الرشاد في سابق علمه على علم منه بأنه لا يهتدي ، ولو جاءته كل آية .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي قال : ثنا
أبو صالح قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس (
وأضله الله على علم ) يقول : أضله الله في سابق علمه .
وقوله (
وختم على سمعه وقلبه ) يقول - تعالى ذكره - : وطبع على سمعه أن
[ ص: 77 ] يسمع مواعظ الله وآي كتابه ، فيعتبر بها ويتدبرها ، ويتفكر فيها ، فيعقل ما فيها من النور والبيان والهدى .
وقوله ( وقلبه ) يقول : وطبع أيضا على قلبه ، فلا يعقل به شيئا ، ولا يعي به حقا .
وقوله (
وجعل على بصره غشاوة ) يقول : وجعل على بصره غشاوة أن يبصر به حجج الله ، فيستدل بها على وحدانيته ، ويعلم بها أن لا إله غيره .
واختلفت القراء في قراءة قوله (
وجعل على بصره غشاوة ) فقرأته عامة
قراء المدينة والبصرة وبعض
قراء الكوفة ( غشاوة ) بكسر الغين وإثبات الألف فيها على أنها اسم ، وقرأ ذلك عامة
قراء الكوفة ( غشوة ) بمعنى : أنه غشاه شيئا في دفعة واحدة ، ومرة واحدة ، بفتح الغين بغير ألف ، وهما عندي قراءتان صحيحتان فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .
وقوله (
فمن يهديه من بعد الله ) يقول - تعالى ذكره - : فمن يوفقه لإصابة الحق ، وإبصار محجة الرشد بعد إضلال الله إياه (
أفلا تذكرون ) أيها الناس ، فتعلموا أن من فعل الله به ما وصفنا ، فلن يهتدي أبدا ، ولن يجد لنفسه وليا مرشدا .