القول في
تأويل قوله تعالى : ( هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ( 29 )
فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته ذلك هو الفوز المبين ( 30 ) )
يقول - تعالى ذكره - : لكل أمة دعيت في القيامة إلى كتابها الذي أملت على
[ ص: 84 ] حفظتها في الدنيا (
اليوم تجزون ما كنتم تعملون ) فلا تجزعوا من ثوابناكم على ذلك ، فإنكم ينطق عليكم إن أنكرتموه بالحق فاقرءوه (
إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ) يقول : إنا كنا نستكتب حفظتنا أعمالكم ، فتثبتها في الكتب وتكتبها .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
أبو كريب قال : ثنا
طلق بن غنام ، عن
زائدة ، عن
عطاء بن مقسم ، عن
ابن عباس (
هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق ) قال : هو أم الكتاب فيه أعمال بني
آدم (
إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ) قال : نعم ،
الملائكة يستنسخون أعمال بني آدم .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
يعقوب القمي قال : ثني أخي
عيسى بن عبد الله بن ثابت الثمالي ، عن
ابن عباس قال : " إن الله خلق النون وهي الدواة ، وخلق القلم ، فقال : اكتب ، قال : ما أكتب ، قال : اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة من عمل معمول ، بر أو فجور ، أو رزق مقسوم ، حلال أو حرام ، ثم ألزم كل شيء من ذلك شأنه دخوله في الدنيا ، ومقامه فيها كم ، وخروجه منه كيف ، ثم جعل على العباد حفظة ، وعلى الكتاب خزانا ، فالحفظة ينسخون كل يوم من الخزان عمل ذلك اليوم ، فإذا فني الرزق وانقطع الأثر ، وانقضى الأجل ، أتت الحفظة الخزنة يطلبون عمل ذلك اليوم ، فتقول لهم الخزنة : ما نجد لصاحبكم عندنا شيئا ، فترجع الحفظة ، فيجدونهم قد ماتوا ، قال : فقال
ابن عباس : ألستم قوما عربا تسمعون الحفظة يقولون (
إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ) وهل يكون الاستنساخ إلا من أصل" .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
حكام ، عن
عمرو ، عن
عطاء ، عن
الحكم ، عن
مقسم ، عن
ابن عباس (
هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق ) قال : الكتاب : الذكر (
إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ) قال : نستنسخ الأعمال .
وقال آخرون في ذلك ما حدثنا
الحسن بن عرفة قال : ثنا
النضر بن [ ص: 85 ] إسماعيل ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12034أبي سنان الشيباني ، عن
عطاء بن أبي رباح ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12067أبي عبد الرحمن السلمي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : إن لله ملائكة ينزلون في كل يوم بشيء يكتبون فيه أعمال بني
آدم .
وقوله (
فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته ) يقول - تعالى ذكره - : فأما الذين آمنوا بالله في الدنيا فوحدوه ، ولم يشركوا به شيئا ، وعملوا الصالحات : يقول : وعملوا بما أمرهم الله به ، وانتهوا عما نهاهم الله عنه (
فيدخلهم ربهم في رحمته ) يعني في جنته برحمته .
وقوله (
ذلك هو الفوز المبين ) يقول : دخولهم في رحمة الله يومئذ هو الظفر بما كانوا يطلبونه ، وإدراك ما كانوا يسعون في الدنيا له ، المبين غايتهم فيها ، أنه هو الفوز .