القول في
تأويل قوله تعالى : ( والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي وهما يستغيثان الله ويلك آمن إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين ( 17 ) )
وهذا نعت من الله - تعالى ذكره - نعت ضال به كافر ، وبوالديه عاق ، وهما مجتهدان في نصيحته ودعائه إلى الله ، فلا يزيده دعاؤهما إياه إلى الحق ، ونصيحتهما له إلا عتوا وتمردا على الله ، وتماديا في جهله ، يقول الله - جل ثناؤه - (
والذي قال لوالديه ) أن دعواه إلى الإيمان بالله ، والإقرار ببعث الله خلقه من قبورهم ، ومجازاته إياهم بأعمالهم (
أف لكما ) يقول : قذرا لكما ونتنا (
أتعدانني أن أخرج )
[ ص: 118 ] يقول أتعدانني أن أخرج من قبري من بعد فنائي وبلائي فيه حيا .
كما حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
أتعدانني أن أخرج ) أن أبعث بعد الموت .
حدثنا
ابن عبد الأعلى قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة في قوله (
أتعدانني أن أخرج ) قال : يعني البعث بعد الموت .
حدثني
محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله (
والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني ) . . . إلى آخر الآية ، قال : الذي قال هذا ابن
لأبي بكر رضي الله عنه ، قال : (
أتعدانني أن أخرج ) أتعدانني أن أبعث بعد الموت .
حدثنا
ابن بشار قال : ثنا
هوذة قال : ثنا
عوف ، عن
الحسن في قوله (
والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج ) قال : هو الكافر الفاجر العاق لوالديه ، المكذب بالبعث .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قال : ثم نعت عبد سوء عاقا لوالديه فاجرا فقال : (
والذي قال لوالديه أف لكما ) . . . إلى قوله (
أساطير الأولين ) .
وقوله (
وقد خلت القرون من قبلي ) يقول : أتعدانني أن أبعث ، وقد مضت قرون من الأمم قبلي ، فهلكوا ، فلم يبعث منهم أحد ، ولو كنت مبعوثا بعد وفاتي كما تقولان ، لكان قد بعث من هلك قبلي من القرون (
وهما يستغيثان الله ) يقول - تعالى ذكره - : ووالداه يستصرخان الله عليه ، ويستغيثانه عليه أن يؤمن بالله ، ويقر بالبعث ويقولان له : (
ويلك آمن ) ، أي صدق بوعد الله ، وأقر أنك مبعوث من بعد وفاتك ، إن وعد الله الذي وعد خلقه أنه باعثهم من قبورهم ، ومخرجهم منها إلى موقف الحساب لمجازاتهم بأعمالهم حق لا شك فيه ، فيقول عدو الله مجيبا لوالديه ، وردا عليهما نصيحتهما ، وتكذيبا بوعد الله : ما هذا الذي تقولان لي وتدعواني إليه من التصديق بأني مبعوث من بعد وفاتي من
[ ص: 119 ] قبري ، إلا ما سطره الأولون من الناس من الأباطيل ، فكتبوه ، فأصبتماه أنتما فصدقتما .