القول في
تأويل قوله تعالى : ( واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ( 21 ) )
يقول - تعالى ذكره - لنبيه
محمد - صلى الله عليه وسلم - : واذكر يا
محمد لقومك الرادين عليك ما جئتهم به من الحق
هودا أخا
عاد ، فإن الله بعثك إليهم كالذي بعثه إلى
عاد ، فخوفهم أن يحل بهم من نقمة الله على كفرهم ما حل بهم إذ كذبوا رسولنا
هودا إليهم ، إذ أنذر قومه
عادا بالأحقاف . والأحقاف : جمع حقف وهو من الرمل ما استطال ، ولم يبلغ أن يكون جبلا وإياه عنى
الأعشى :
فبات إلى أرطاة حقف تلفه خريق شمال يترك الوجه أقتما
واختلف أهل التأويل في الموضع الذي به هذه الأحقاف ، فقال بعضهم : هي جبل
بالشام . [ ص: 123 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس : (
واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف ) قال : الأحقاف : جبل
بالشام .
حدثت عن
الحسين قال : سمعت
أبا معاذ يقول : أخبرنا
عبيد قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله (
إذ أنذر قومه بالأحقاف ) جبل يسمى الأحقاف .
وقال آخرون : بل هي واد بين
عمان ومهرة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي عن أبيه ، عن
ابن عباس (
واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف ) قال : فقال : الأحقاف الذي أنذر
هود قومه واد بين
عمان ومهرة .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق قال : كانت منازل
عاد وجماعتهم ، حيث بعث الله إليهم
هودا الأحقاف : الرمل فيما بين
عمان إلى
حضرموت ،
فاليمن كله ، وكانوا مع ذلك قد فشوا في الأرض كلها ، قهروا أهلها بفضل قوتهم التي آتاهم الله .
وقال آخرون : هي أرض .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا
عبد الرحمن قال : ثنا
سفيان ، عن
منصور ، عن
مجاهد قال : الأحقاف : الأرض .
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد (
إذ أنذر قومه بالأحقاف ) قال : حشاف أو كلمة تشبهها ، قال
أبو موسى : يقولون مستحشف .
[ ص: 124 ]
حدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد (
إذ أنذر قومه بالأحقاف ) حشاف من حسمى .
وقال آخرون : هي رمال مشرفة على البحر بالشحر .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله (
واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف ) ذكر لنا أن
عادا كانوا حيا
باليمن أهل رمل مشرفين على البحر بأرض يقال لها الشحر .
حدثنا
محمد بن عبد الأعلى قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة في قوله (
واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف ) قال : بلغنا أنهم كانوا على أرض يقال لها الشحر ، مشرفين على البحر ، وكانوا أهل رمل .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : أخبرنا
عمرو بن الحارث ، عن
سعيد بن أبي هلال ، عن
عمرو بن عبد الله ، عن
قتادة ، أنه قال : كان مساكن
عاد بالشحر .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله تبارك وتعالى أخبر أن
عادا أنذرهم أخوهم
هود بالأحقاف ، والأحقاف ما وصفت من الرمال المستطيلة المشرفة ، كما قال
العجاج :
بات إلى أرطاة حقف أحقفا
[ ص: 125 ]
وكما حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله (
واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف ) قال : الأحقاف : الرمل الذي يكون كهيئة الجبل تدعوه العرب الحقف ، ولا يكون أحقافا إلا من الرمل ، قال : وأخو
عاد هود . وجائز أن يكون ذلك جبلا
بالشأم . وجائز أن يكون واديا بين
عمان وحضرموت . وجائز أن يكون الشحر وليس في العلم به أداء فرض ، ولا في الجهل به تضييع واجب ، وأين كان فصفته ما وصفنا من أنهم كانوا قوما منازلهم الرمال المستعلية المستطيلة .
وقوله (
وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله ) يقول - تعالى ذكره - : وقد مضت الرسل بإنذار أممها (
من بين يديه ) يعني : من قبل
هود ومن خلفه ، يعني : ومن بعد
هود . وقد ذكر أن ذلك في قراءة
عبد الله (
وقد خلت النذر من بين يديه ومن بعده ) ، (
ألا تعبدوا إلا الله ) يقول : لا تشركوا مع الله شيئا في عبادتكم إياه ، ولكن أخلصوا له العبادة ، وأفردوا له الألوهة ، إنه لا إله غيره ، وكانوا فيما ذكر أهل أوثان يعبدونها من دون الله .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثت عن
الحسين قال : سمعت
أبا معاذ يقول : أخبرنا
عبيد قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله (
وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله ) قال : لن يبعث الله رسولا إلا بأن يعبد الله .
وقوله (
إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ) يقول - تعالى ذكره - مخبرا عن قيل
هود لقومه : إني أخاف عليكم أيها القوم بعبادتكم غير الله عذاب الله في يوم عظيم وذلك يوم يعظم هوله ، وهو يوم القيامة .