القول في تأويل قوله تعالى : (
والذين كفروا فتعسا لهم وأضل أعمالهم ( 8 )
ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم ( 9 ) )
يقول - تعالى ذكره - : (
والذين كفروا ) بالله ، فجحدوا توحيده (
فتعسا لهم ) يقول : فخزيا لهم وشقاء وبلاء .
كما حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله (
والذين كفروا فتعسا لهم ) قال : شقاء لهم .
وقوله (
وأضل أعمالهم ) يقول وجعل أعمالهم معمولة على غير هدى ولا استقامة ؛ لأنها عملت في طاعة الشيطان ، لا في طاعة الرحمن .
وبنحو الذي قلنا فى ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله (
وأضل أعمالهم ) قال : الضلالة التي أضلهم الله لم يهدهم كما هدى الآخرين ، فإن الضلالة التي أخبرك الله : يضل من يشاء ، ويهدي من يشاء; قال : وهؤلاء ممن جعل عمله ضلالا ورد قوله (
وأضل أعمالهم ) على قوله (
فتعسا لهم ) وهو فعل ماض ، والتعس اسم ؛ لأن التعس وإن كان اسما ففي معنى الفعل لما فيه من معنى الدعاء ، فهو بمعنى : أتعسهم الله ، فلذلك صلح رد أضل عليه ؛ لأن الدعاء يجري مجرى الأمر والنهي ، وكذلك قوله (
حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق )
[ ص: 162 ] مردودة على أمر مضمر ناصب لضرب .
وقوله (
ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله ) يقول - تعالى ذكره - : هذا الذي فعلنا بهم من الإتعاس وإضلال الأعمال من أجل أنهم كرهوا كتابنا الذي أنزلناه إلى نبينا
محمد - صلى الله عليه وسلم - وسخطوه ، فكذبوا به ، وقالوا : هو سحر مبين .
وقوله (
فأحبط أعمالهم ) يقول : فأبطل أعمالهم التي عملوها في الدنيا ، وذلك عبادتهم الآلهة ، لم ينفعهم الله بها في الدنيا ولا في الآخرة ، بل أوبقهم بها ، فأصلاهم سعيرا ، وهذا حكم الله جل جلاله في جميع من كفر به من أجناس الأمم ، كما قال
قتادة .
حدثنا
ابن عبد الأعلى قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة في قوله ( فتعسا لهم ) قال : هي عامة للكفار .