القول في تأويل قوله تعالى : (
ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم ( 31 )
إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى لن يضروا الله شيئا وسيحبط أعمالهم ( 32 ) )
يقول - تعالى ذكره - لأهل الإيمان به من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (
ولنبلونكم ) أيها المؤمنون بالقتل ، وجهاد أعداء الله (
حتى نعلم المجاهدين منكم ) يقول : حتى يعلم حزبي وأوليائي أهل الجهاد في الله منكم ، وأهل الصبر على قتال أعدائه ، فيظهر ذلك لهم ، ويعرف ذوو البصائر منكم في دينه من ذوي الشك والحيرة فيه ، وأهل الإيمان من أهل النفاق ، ونبلو أخباركم ، فنعرف الصادق منكم من الكاذب .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي قال : ثنا
أبو صالح قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس قوله (
حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ) ، وقوله (
ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ) ونحو هذا ، قال : أخبر الله سبحانه المؤمنين أن الدنيا دار بلاء ، وأنه مبتليهم فيها ، وأمرهم بالصبر ، وبشرهم فقال : (
وبشر الصابرين ) ثم أخبرهم أنه هكذا فعل بأنبيائه ، وصفوته لتطيب أنفسهم ،
[ ص: 186 ] فقال : (
مستهم البأساء والضراء وزلزلوا ) فالبأساء : الفقر ، والضراء : السقم ، وزلزلوا بالفتن وأذى الناس إياهم .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله (
ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ) قال : نختبركم البلوى : الاختبار . وقرأ (
الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ) قال : لا يختبرون (
ولقد فتنا الذين من قبلهم ) . . . الآية .
واختلفت القراء في قراءة قوله (
ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم ) ، فقرأ ذلك عامة قراء الأمصار بالنون ( نبلو ) و ( نعلم ) ، ونبلو على وجه الخبر من الله جل جلاله عن نفسه ، سوى
عاصم فإنه قرأ جميع ذلك بالياء ، والنون هي القراءة عندنا لإجماع الحجة من القراء عليها ، وإن كان للأخرى وجه صحيح .
وقوله (
إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ) يقول - تعالى ذكره - : إن الذين جحدوا توحيد الله ، وصدوا الناس عن دينه الذي ابتعث به رسله (
وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى ) يقول : وخالفوا رسوله محمدا - صلى الله عليه وسلم - فحاربوه وآذوه من بعد ما علموا أنه نبي مبعوث ، ورسول مرسل ، وعرفوا الطريق الواضح بمعرفته ، وأنه لله رسول .
وقوله (
لن يضروا الله شيئا ) لأن الله بالغ أمره ، وناصر رسوله ، ومظهره على من عاداه وخالفه (
وسيحبط أعمالهم ) يقول : وسيذهب أعمالهم التي عملوها في الدنيا فلا ينفعهم بها في الدنيا ولا الآخرة ، ويبطلها إلا مما يضرهم .