القول في تأويل قوله تعالى (
الحق من ربك فلا تكونن من الممترين ( 147 ) )
قال
أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : اعلم يا
محمد أن الحق ما أعلمك ربك وأتاك من عنده ، لا ما يقول لك
اليهود والنصارى .
وهذا خبر من الله تعالى ذكره لنبيه عليه السلام : عن أن القبلة التي وجهه نحوها ، هي القبلة الحق التي كان عليها
إبراهيم خليل الرحمن ومن بعده من أنبياء الله عز وجل .
يقول تعالى ذكره له : فاعمل بالحق الذي أتاك من ربك يا
محمد ، ولا تكونن من الممترين .
يعني بقوله : "فلا تكونن من الممترين " ، أي : فلا تكونن من الشاكين في أن القبلة التي وجهتك نحوها قبلة
إبراهيم خليلي عليه السلام وقبلة الأنبياء غيره ، كما :
2272 - حدثني
المثنى قال : حدثني
إسحاق قال : حدثنا
ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن
الربيع قال : قال الله تعالى ذكره لنبيه عليه السلام : "الحق من ربك فلا تكونن من الممترين" ، يقول : لا تكن في شك ، فإنها قبلتك وقبلة الأنبياء من قبلك .
[ ص: 191 ]
2273 - حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد : "فلا تكونن من الممترين" قال : من الشاكين قال : لا تشكن في ذلك .
قال
أبو جعفر : وإنما "الممتري " "مفتعل " ، من "المرية" ، و"المرية " هي الشك ، ومنه قول
الأعشى :
تدر على أسوق الممترين ركضا إذا ما السراب ارجحن
قال
أبو جعفر : فإن قال لنا قائل : أوكان النبي صلى الله عليه وسلم شاكا في أن الحق من ربه ، أو في أن القبلة التي وجهه الله إليها حق من الله تعالى ذكره ، حتى نهي عن الشك في ذلك ، فقيل له : "فلا تكونن من الممترين" ؟
قيل : ذلك من الكلام الذي تخرجه العرب مخرج الأمر أو النهي للمخاطب به ، والمراد به غيره ، كما قال جل ثناؤه : (
يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين ) [ سورة الأحزاب : 1 ] ، ثم قال : (
واتبع ما يوحى إليك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيرا )
[ ص: 192 ] [ سورة الأحزاب : 2 ] . فخرج الكلام مخرج الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم والنهي له ، والمراد به أصحابه المؤمنون به . وقد بينا نظير ذلك فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته .