القول في تأويل قوله تعالى : (
بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا وزين ذلك في قلوبكم وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا ( 12 ) )
[ ص: 213 ]
يقول - تعالى ذكره - لهؤلاء الأعراب المعتذرين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند منصرفه من سفره إليهم بقولهم (
شغلتنا أموالنا وأهلونا ) ما تخلفتم خلاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين شخص عنكم ، وقعدتم عن صحبته من أجل شغلكم بأموالكم وأهليكم ، بل تخلفتم بعده في منازلكم ، ظنا منكم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن معه من أصحابه سيهلكون ، فلا يرجعون إليكم أبدا باستئصال العدو إياهم وزين ذلك في قلوبكم ، وحسن الشيطان ذلك في قلوبكم ، وصححه عندكم حتى حسن عندكم التخلف عنه ، فقعدتم عن صحبته (
وظننتم ظن السوء ) يقول : وظننتم أن الله لن ينصر
محمدا - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه المؤمنين على أعدائهم ، وأن العدو سيقهرونهم ويغلبونهم فيقتلونهم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله (
سيقول لك المخلفون من الأعراب ) . . . إلى قوله (
وكنتم قوما بورا ) قال : ظنوا بنبي الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه أنهم لن يرجعوا من وجههم ذلك ، وأنهم سيهلكون ، فذلك الذي خلفهم عن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - .
وقوله (
وكنتم قوما بورا ) يقول : وكنتم قوما هلكى لا يصلحون لشيء من خير . وقيل : إن البور في لغة أذرعات : الفاسد; فأما عند العرب فإنه لا شيء . ومنه قول
nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء : فأصبح ما جمعوا بورا أي ذاهبا قد صار باطلا لا شيء منه; ومنه قول
حسان بن ثابت :
لا ينفع الطول من نوك القلوب وقد يهدي الإله سبيل المعشر البور
[ ص: 214 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله (
وكنتم قوما بورا ) قال : فاسدين . وحدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله (
وكنتم قوما بورا ) قال : البور الذي ليس فيه من الخير شيء .
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد قوله (
وكنتم قوما بورا ) قال : هالكين .