القول في تأويل قوله تعالى : (
قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما ( 16 ) )
[ ص: 219 ]
يقول - تعالى ذكره - لنبيه
محمد - صلى الله عليه وسلم - ( قل ) يا
محمد (
للمخلفين من الأعراب ) عن المسير معك ، ( ستدعون إلى ) قتال ( قوم أولي بأس ) في القتال ( شديد ) .
واختلف أهل التأويل في هؤلاء الذين أخبر الله - عز وجل - عنهم أن هؤلاء المخلفين من الأعراب يدعون إلى قتالهم ، فقال بعضهم : هم أهل
فارس .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
سلمة ، عن
محمد بن إسحاق ، عن
عبد الله بن أبي نجيح ، عن
عطاء بن أبي رباح ، عن
ابن عباس (
أولي بأس شديد ) أهل
فارس .
حدثنا
إسماعيل بن موسى الفزاري قال : أخبرنا
داود بن الزبرقان ، عن
ثابت البناني ، عن
عبد الرحمن بن أبي ليلى في قوله (
ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد ) قال :
فارس والروم .
قال : أخبرنا
داود ، عن
سعيد ، عن
الحسن ، مثله .
حدثنا
ابن عبد الأعلى قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة قال : قال
الحسن في قوله (
ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد ) قال : هم
فارس والروم .
حدثنا
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد قوله (
أولي بأس شديد ) قال : هم
فارس .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد ) قال : قال
الحسن : دعوا إلى
فارس والروم .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله (
ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد ) قال :
فارس والروم .
[ ص: 220 ]
وقال آخرون : هم
هوازن بحنين .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
يعقوب بن إبراهيم قال : ثنا
هشيم قال : أخبرنا أبو
بشر ، عن
سعيد بن جبير وعكرمة في قوله (
ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد ) قال :
هوازن .
حدثنا
ابن بشار قال : ثنا
محمد بن جعفر قال : ثنا
شعبة ، عن أبي
بشر ، عن
سعيد بن جبير وعكرمة في هذه الآية (
ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد ) قال :
هوازن وثقيف .
حدثنا
ابن عبد الأعلى قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة (
أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون ) قال : هي
هوازن وغطفان يوم حنين .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد ) فدعوا يوم حنين إلى
هوازن وثقيف فمنهم من أحسن الإجابة ورغب في الجهاد .
وقال آخرون : بل هم
بنو حنيفة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق ، عن
الزهري (
أولي بأس شديد ) قال
بنو حنيفة مع
مسيلمة الكذاب .
حدثنا
ابن بشار قال : ثنا
محمد بن جعفر قال : ثنا
شعبة ، عن
هشيم ، عن
أبي بشر ، عن
سعيد بن جبير وعكرمة أنهما كانا يزيدان فيه
هوازن وبني حنيفة .
وقال آخرون : لم تأت هذه الآية بعد .
[ ص: 221 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن عبد الأعلى قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
الزهري ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة (
ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد ) لم تأت هذه الآية .
وقال آخرون : هم
الروم .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عوف قال : ثنا
أبو المغيرة قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16230صفوان بن عمرو قال : ثنا
الفرج بن محمد الكلاعي ، عن
كعب ، قال (
أولي بأس شديد ) قال :
الروم .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله - تعالى ذكره - أخبر عن هؤلاء المخلفين من الأعراب أنهم سيدعون إلى قتال قوم أولي بأس في القتال ، ونجدة في الحروب ، ولم يوضع لنا الدليل من خبر ولا عقل على أن المعني بذلك
هوازن ، ولا
بنو حنيفة ولا
فارس ولا
الروم ، ولا أعيان بأعيانهم ، وجائز أن يكون عني بذلك بعض هذه الأجناس ، وجائز أن يكون عني بهم غيرهم ، ولا قول فيه أصح من أن يقال كما قال الله - جل ثناؤه - : إنهم سيدعون إلى قوم أولي بأس شديد .
وقوله (
تقاتلونهم أو يسلمون ) يقول - تعالى ذكره - للمخلفين من الأعراب تقاتلون هؤلاء الذين تدعون إلى قتالهم ، أو يسلمون من غير حرب ولا قتال .
وقد ذكر أن ذلك في بعض القراءات ( تقاتلونهم أو يسلموا ) ، وعلى هذه القراءة وإن كانت على خلاف مصاحف
أهل الأمصار ، وخلافا لما عليه الحجة من القراء ، وغير جائز عندي القراءة بها لذلك تأويل ذلك : تقاتلونهم أبدا إلا أن يسلموا ، أو حتى يسلموا .
وقوله (
فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا ) يقول - تعالى ذكره - فإن تطيعوا الله في إجابتكم إياه إذا دعاكم إلى قتال هؤلاء القوم الأولي البأس الشديد ، فتجيبوا إلى قتالهم والجهاد مع المؤمنين (
يؤتكم الله أجرا حسنا ) يقول : يعطكم الله على إجابتكم إياه إلى حربهم الجنة ، وهي الأجر الحسن (
وإن تتولوا كما توليتم من قبل ) يقول : وإن تعصوا ربكم فتدبروا عن طاعته وتخالفوا أمره ،
[ ص: 222 ] فتتركوا قتال الأولي البأس الشديد إذا دعيتم إلى قتالهم (
كما توليتم من قبل ) يقول : كما عصيتموه في أمره إياكم بالمسير مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى
مكة من قبل أن تدعوا إلى قتال أولي البأس الشديد (
يعذبكم عذابا أليما ) يعني : وجيعا ، وذلك عذاب النار على عصيانكم إياه ، وترككم جهادهم وقتالهم مع المؤمنين .