القول في تأويل قوله تعالى : (
لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا ( 18 )
ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزا حكيما ( 19 ) )
يقول - تعالى ذكره - : لقد رضي الله يا
محمد عن المؤمنين (
إذ يبايعونك تحت الشجرة ) يعني بيعة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورسول الله
بالحديبية ، حين بايعوه على مناجزة
قريش الحرب ، وعلى أن لا يفروا ، ولا يولوهم الدبر تحت الشجرة ، وكانت بيعتهم إياه هنالك فيما ذكر تحت شجرة .
وكان سبب هذه البيعة ما قيل : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان أرسل
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان رضي الله عنه برسالته إلى الملأ من
قريش ، فأبطأ
عثمان عليه بعض الإبطاء ، فظن أنه قد قتل ، فدعا أصحابه إلى تجديد البيعة على حربهم على ما وصفت ، فبايعوه على ذلك ، وهذه البيعة التي تسمى بيعة الرضوان ،
[ ص: 224 ] وكان الذين بايعوه هذه البيعة فيما ذكر في قول بعضهم : ألفا وأربعمائة ، وفي قول بعضهم : ألفا وخمسمائة ، وفي قول بعضهم : ألفا وثلاثمائة .
ذكر الرواية بما وصفنا من سبب هذه البيعة :
حدثنا
ابن حميد قال :
ثنا سلمة ، عن
محمد بن إسحاق قال : ثني بعض أهل العلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا
خراش بن أمية الخزاعي ، فبعثه إلى قريش
بمكة ، وحمله على جمل له يقال له الثعلب ، ليبلغ أشرافهم عنه ما جاء له ، وذلك حين نزل
الحديبية ، فعقروا به جمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأرادوا قتله ، فمنعه
الأحابيش فخلوا سبيله ، حتى أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
قال :
ثنا سلمة ، عن
ابن إسحاق قال : فحدثني من لا أتهم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة مولى ابن عباس : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=810996أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ليبعثه إلى مكة ، فيبلغ عنه أشراف قريش ما جاء له ، فقال : يا رسول الله إني أخاف قريشا على نفسي ، وليس بمكة من بني عدي بن كعب أحد يمنعني ، وقد عرفت قريش عداوتي إياها ، وغلظتي عليهم ، ولكني أدلك على رجل هو أعز بها مني nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان ، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عثمان ، فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب ، وإنما جاء زائرا لهذا البيت معظما لحرمته ، فخرج عثمان إلى مكة ، فلقيه nindex.php?page=showalam&ids=11786أبان بن سعيد بن العاص حين دخل مكة أو قبل أن يدخلها ، فنزل عن دابته ، فحمله بين يديه ، ثم ردفه وأجاره حتى بلغ رسالة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانطلق عثمان حتى أتى أبا سفيان وعظماء قريش ، فبلغهم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أرسله به ، فقالوا لعثمان حين فرغ من رسالة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن شئت أن تطوف بالبيت فطف به ، قال : ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاحتبسته قريش عندها ، فبلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين أن عثمان قد قتل " .
[ ص: 225 ]
قال :
ثنا سلمة ، عن
محمد بن إسحاق قال : فحدثني
عبد الله بن أبي بكر "
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين بلغه أن عثمان قد قتل ، قال : لا نبرح حتى نناجز القوم ، ودعا الناس إلى البيعة ، فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة ، فكان الناس يقولون : بايعهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الموت فكان nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله يقول : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يبايعنا على الموت ، ولكنه بايعنا على أن لا نفر ، فبايع رسول الله الناس ، ولم يتخلف عنه أحد من المسلمين حضرها إلا الجد بن قيس أخو بني سلمة ، كان nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله يقول : لكأني أنظر إليه لاصقا بإبط ناقته ، قد اختبأ إليها ، يستتر بها من الناس ، ثم أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الذي ذكر من أمر عثمان باطل " .
حدثنا
محمد بن عمارة الأسدي قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16527عبيد الله بن موسى قال : أخبرنا
موسى بن عبيدة ، عن
إياس بن سلمة قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=812549قال سلمة : " بينما نحن قائلون زمن الحديبية ، نادى منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أيها الناس البيعة البيعة ، نزل روح القدس صلوات الله عليه ، قال : فثرنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو تحت شجرة سمرة ، قال : فبايعناه ، وذلك قول الله ( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ) .
حدثنا
عبد الحميد بن بيان اليشكري قال : ثنا
محمد بن يزيد ، عن
إسماعيل ، عن
عامر قال : كان أول من بايع بيعة الرضوان رجل من
بني أسد يقال له
أبو سنان بن وهب .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى قال : ثنا
يحيى بن حماد قال : ثنا
همام ، عن
قتادة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب قال : كان جدي يقال له
حزن ، وكان ممن بايع تحت الشجرة ، فأتيناها من قابل ، فعميت علينا .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى قال : ثنا
يحيى بن حماد قال : ثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : أخبرني
عمرو بن الحارث ،
عن بكير بن الأشج " أنه [ ص: 226 ] بلغه أن الناس بايعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الموت ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : على ما استطعتم . والشجرة التي بويع تحتها بفج نحو
مكة ، وزعموا أن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر بذلك المكان بعد أن ذهبت الشجرة ، فقال : أين كانت ، فجعل بعضهم يقول هنا ، وبعضهم يقول : هاهنا ، فلما كثر اختلافهم قال : سيروا ، هذا التكلف ، فذهبت الشجرة وكانت سمرة إما ذهب بها سيل ، وإما شيء سوى ذلك" .
ذكر
عدد الذين بايعوا هذه البيعة :
وقد ذكرنا اختلاف المختلفين في عددهم ، ونذكر الروايات عن قائلي المقالات التي ذكرناها إن شاء الله تعالى .
ذكر من قال : عددهم ألف وأربعمائة :
حدثني
يحيى بن إبراهيم المسعودي قال : ثنا أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن
الأعمش ، عن
أبي سفيان عن
جابر قال : " كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة ، فبايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن لا نفر ، ولم نبايعه على الموت ، قال : فبايعناه كلنا إلا
الجد بن قيس اختبأ تحت إبط ناقته" .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد ، أخبرني
القاسم بن عبد الله بن عمرو ، عن
محمد بن المنكدر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله " أنهم كانوا يوم
الحديبية أربع عشرة مائة ، فبايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعمر آخذ بيده تحت
[ ص: 227 ] الشجرة ، وهي سمرة ، فبايعنا غير
الجد بن قيس الأنصاري ، اختبأ تحت إبط بعيره ، قال
جابر : بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن لا نفر ولم نبايعه على الموت" .
حدثنا
يوسف بن موسى القطان قال : ثنا
هشام بن عبد الملك وسعيد بن شرحبيل المصري قالا : ثنا
ليث بن سعد المصري قال : ثنا
أبو الزبير ، عن
جابر قال : " كنا يوم
الحديبية ألفا وأربعمائة ، فبايعناه
وعمر آخذ بيده تحت الشجرة وهي سمرة ، فبايعناه على أن لا نفر ، ولم نبايعه على الموت ، يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - .
حدثنا
ابن بشار وابن المثنى قالا ثنا
ابن أبي عدي ، عن
سعيد ، عن
قتادة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب ، أنه قيل له : " إن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله يقول : إن أصحاب الشجرة كانوا ألفا وخمسمائة ، قال
سعيد : نسي
جابر هو قال لي كانوا ألفا وأربعمائة" .
حدثنا
ابن حميد قال :
ثنا سلمة قال : ثني
محمد بن إسحاق ، عن
الأعمش ، عن
أبي سفيان ، عن
جابر قال : كنا أصحاب
الحديبية أربع عشرة مائة .
ذكر من قال : كان عدتهم ألفا وخمسمائة وخمسة وعشرين :
حدثنا
محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس (
لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ) قال : كان أهل البيعة تحت الشجرة ألفا وخمسمائة وخمسة وعشرين .
حدثني
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قال : " الذين بايعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت الشجرة ، فجعلت لهم مغانم
خيبر كانوا يومئذ خمس عشرة مائة ، وبايعوا على أن لا يفروا عنه" .
ذكر من قال : كانوا ألفا وثلاثمائة :
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى قال : ثنا
أبو داود قال : ثنا
شعبة ، عن
عمرو بن مرة قال : سمعت
عبد الله بن أبي أوفى يقول : " كانوا يوم الشجرة ألفا وثلاثمائة ، وكانت
أسلم يومئذ من المهاجرين" .
وقوله (
فعلم ما في قلوبهم ) يقول - تعالى ذكره - : فعلم ربك يا
محمد ما في قلوب المؤمنين من أصحابك إذ يبايعونك تحت الشجرة ، من صدق النية ، والوفاء بما يبايعونك عليه ، والصبر معك (
فأنزل السكينة عليهم ) يقول :
[ ص: 228 ] فأنزل الطمأنينة ، والثبات على ما هم عليه من دينهم وحسن بصيرتهم بالحق الذي هداهم الله له .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله (
فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم ) : أي الصبر والوقار .
وقوله (
وأثابهم فتحا قريبا ) يقول : وعوضهم في العاجل مما رجوا الظفر به من غنائم أهل
مكة بقتالهم أهلها فتحا قريبا ، وذلك فيما قيل : فتح
خيبر .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى قال : ثنا
محمد بن جعفر قال : ثنا
شعبة ، عن
الحكم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى (
وأثابهم فتحا قريبا ) قال :
خيبر .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
وأثابهم فتحا قريبا ) وهي
خيبر .
حدثنا
ابن عبد الأعلى قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة قوله (
وأثابهم فتحا قريبا ) قال : بلغني أنها
خيبر .
وقوله (
ومغانم كثيرة يأخذونها ) يقول - تعالى ذكره - : وأثاب الله هؤلاء الذين بايعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت الشجرة ، مع ما أكرمهم به من رضاه عنهم ، وإنزاله السكينة عليهم ، وإثابته إياهم فتحا قريبا ، معه مغانم كثيرة يأخذونها من أموال يهود
خيبر ، فإن الله جعل ذلك خاصة لأهل بيعة الرضوان دون غيرهم .
وقوله ( وكان الله عزيزا حكيما ) يقول : وكان الله ذا عزة في انتقامه ممن انتقم من أعدائه ، حكيما في تدبيره خلقه وتصريفه إياهم فيما شاء من قضائه .