القول في تأويل قوله تعالى : (
ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا ( 22 )
سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا ( 23 ) )
[ ص: 235 ]
يقول - تعالى ذكره - للمؤمنين به من أهل بيعة الرضوان : (
ولو قاتلكم الذين كفروا ) بالله أيها المؤمنون
بمكة (
لولوا الأدبار ) يقول : لانهزموا عنكم ، فولوكم أعجازهم ، وكذلك يفعل المنهزم من قرنه في الحرب (
ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا ) يقول : ثم لا يجد هؤلاء الكفار المنهزمون عنكم ، المولوكم الأدبار ، وليا يواليهم على حربكم ، ولا نصيرا ينصرهم عليكم ؛ لأن الله - تعالى ذكره - معكم ، ولن يغلب حزب الله ناصره .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله (
ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ) يعني كفار
قريش ، قال الله (
ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا ) ينصرهم من الله .
وقوله (
سنة الله التي قد خلت من قبل ) يقول - تعالى ذكره - : لو قاتلكم هؤلاء الكفار من
قريش ، لخذلهم الله حتى يهزمهم عنكم خذلانه أمثالهم من أهل الكفر به ، الذين قاتلوا أولياءه من الأمم الذين مضوا قبلهم . وأخرج قوله ( سنة الله ) نصبا من غير لفظه ، وذلك أن في قوله (
لولوا الأدبار ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا ) معنى سننت فيهم الهزيمة والخذلان ، فلذلك قيل : ( سنة الله ) مصدرا من معنى الكلام لا من لفظه ، وقد يجوز أن تكون تفسيرا لما قبلها من الكلام .
وقوله (
ولن تجد لسنة الله تبديلا ) يقول - جل ثناؤه - لنبيه
محمد - صلى الله عليه وسلم - : ولن تجد يا
محمد لسنة الله التي سنها في خلقه تغييرا ، بل ذلك دائم للإحسان جزاؤه من الإحسان ، وللإساءة والكفر العقاب والنكال .