القول في تأويل قوله تعالى : (
إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وكان الله بكل شيء عليما ( 26 ) )
يعني - تعالى ذكره - بقوله (
إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية ) حين جعل
nindex.php?page=showalam&ids=3795سهيل بن عمرو في قلبه الحمية ، فامتنع أن يكتب في كتاب المقاضاة الذي كتب بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمشركين : بسم الله الرحمن الرحيم ، وأن يكتب فيه :
محمد رسول الله ، وامتنع هو وقومه من دخول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عامه ذلك .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن عبد الأعلى قال : ثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن
[ ص: 252 ] الزهري قال : كانت حميتهم التي ذكر الله ، إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية ، أنهم لم يقروا " بسم الله الرحمن الرحيم " وحالوا بينهم وبين البيت .
حدثني
يعقوب بن إبراهيم قال : ثنا
يحيى بن سعيد قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16418عبد الله بن المبارك ، عن
معمر ، عن
الزهري بنحوه .
حدثني
عمرو بن محمد العثماني قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12427إسماعيل بن أبي أويس قال : ثني أخي ، عن
سليمان ، عن
يحيى بن سعيد ، عن
ابن شهاب ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب ، أن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة أخبره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=811002أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله " . وأنزل الله في كتابه ، فذكر قوما استكبروا فقال : (
إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ) وقال الله (
إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها ) وهي لا إله إلا الله محمد رسول الله ، استكبر عنها المشركون يوم الحديبية ، يوم كاتبهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قضية المدة .
و " إذ" من قوله (
إذ جعل الذين كفروا ) من صلة قوله : لعذبنا . وتأويل الكلام : لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما ، حين جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية ، والحمية فعيلة من قول القائل : حمى فلان أنفه حمية ومحمية; ومنه قول
المتلمس :
ألا إنني منهم وعرضي عرضهم كذا الرأس يحمي أنفه أن يكشما
[ ص: 253 ]
يعني بقوله : " يحمي" : يمنع . وقال ( حمية الجاهلية ) لأن الذي فعلوا من ذلك كان جميعه من
أخلاق أهل الكفر ، ولم يكن شيء منه مما أذن الله لهم به ، ولا أحد من رسله .
وقوله (
فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ) يقول - تعالى ذكره - فأنزل الله الصبر والطمأنينة والوقار على رسوله وعلى المؤمنين ، إذ حمى الذين كفروا حمية الجاهلية ، ومنعوهم من الطواف بالبيت ، وأبوا أن يكتبوا في الكتاب بينه وبينهم بسم الله الرحمن الرحيم ،
ومحمد رسول الله (
وألزمهم كلمة التقوى ) يقال : ألزمهم قول لا إله إلا الله التي يتقون بها النار ، وأليم العذاب .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل على اختلاف في ذلك منهم ، وروي به الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
ذكر قائلي ذلك بما قلنا فيه ، والخبر الذي ذكرناه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
حدثنا
الحسن بن قزعة الباهلي قال : ثنا
سفيان بن حبيب قال : ثنا
شعبة ، عن
ثور بن أبي فاختة ، عن أبيه ، عن
الطفيل ، عن أبيه ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=811003سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ( وألزمهم كلمة التقوى ) قال : " لا إله إلا الله" .
حدثني
محمد بن خالد بن خداش العتكي قال : سمعت
سالما ، سمع
شعبة ، سمع
سلمة بن كهيل ، سمع
عباية ، سمع
عليا رضي الله عنه في قوله (
وألزمهم كلمة التقوى ) قال : لا إله إلا الله .
حدثني
ابن بشار قال : ثنا
يحيى وعبد الرحمن ، قالا : ثنا
سفيان ، عن
سلمة ، عن
عباية بن ربعي ، عن
علي رضي الله عنه ، في قوله (
وألزمهم كلمة التقوى ) قال : لا إله إلا الله ، والله أكبر .
حدثني
محمد بن عيسى الدامغاني قال ثنا
ابن المبارك ، عن
سفيان وشعبة ، عن
سلمة بن كهيل ، عن رجل ، عن
علي رضي الله عنه قال : لا
[ ص: 254 ] إله إلا الله ، والله أكبر .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17282وهب بن جرير ، عن
شعبة ، عن
سلمة ، عن
عباية ، عن رجل من
بني تميم عن
علي رضي الله عنه ( وألزمهم كلمة التقوى ) قال : لا إله إلا الله .
حدثني
علي ، قال ثنا
أبو صالح . قال ثنا
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس قوله (
وألزمهم كلمة التقوى ) يقول : شهادة أن لا إله إلا الله ، فهي كلمة التقوى ، يقول : فهي رأس التقوى .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى قال : ثنا
محمد بن جعفر قال : ثنا
شعبة قال : سمعت
أبا إسحاق ، يحدث عن
عمرو بن ميمون أنه كان يقول في هذه الآية (
وألزمهم كلمة التقوى ) قال : لا إله إلا الله .
حدثني
محمد بن عيسى قال : أخبرنا
ابن المبارك قال : أخبرني
سفيان ، عن
أبي إسحاق ، عن
عمرو بن ميمون ، مثله .
حدثنا
ابن بشار قال : ثنا
عبد الرحمن قال : ثنا
سفيان ، عن
أبي إسحاق ، عن
عمرو بن ميمون (
وألزمهم كلمة التقوى ) قال : لا إله إلا الله .
حدثنا
سفيان ، عن
منصور ، عن
مجاهد (
وألزمهم كلمة التقوى ) قال : لا إله إلا الله .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
وألزمهم كلمة التقوى ) وهي : شهادة أن لا إله إلا الله .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله (
وألزمهم كلمة التقوى ) قال : هي لا إله إلا الله .
حدثت عن
الحسين قال : سمعت
أبا معاذ يقول أخبرنا
عبيد قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله (
وألزمهم كلمة التقوى ) هي لا إله إلا الله .
[ ص: 255 ]
حدثني
سعد بن عبد الله بن عبد الحكم قال : ثنا
حفص بن عمر قال : ثنا
الحكم بن أبان ، عن
عكرمة في قوله (
وألزمهم كلمة التقوى ) قال : شهادة أن لا إله إلا الله .
حدثني
ابن البرقي قال : ثنا
عمرو بن أبي سلمة ، عن
سعيد بن عبد العزيز ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16566عطاء الخراساني (
وألزمهم كلمة التقوى ) قال : لا إله إلا الله محمد رسول الله .
حدثني
الصواري محمد بن إسماعيل قال : ثنا
محمد بن سوار قال : ثنا
سفيان بن عيينة ، عن
يزيد بن أبي خالد المكي ، عن
علي الأزدي قال : كنت مع
ابن عمر بين
مكة ومنى بالمأزمين ، فسمع الناس يقولون : لا إله إلا الله ، والله أكبر ، فقال : هي هي ، فقلت : ما هي ؟ قال (
وألزمهم كلمة التقوى ) الإخلاص (
وكانوا أحق بها وأهلها ) .
وقال آخرون : بل هي كلمة التقوى ، الإخلاص .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي بن الحسين الأزدي قال : ثنا
يحيى بن يمان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد (
وألزمهم كلمة التقوى ) قال : الإخلاص .
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد (
كلمة التقوى ) كلمة الإخلاص .
وقال آخرون : هي قوله : بسم الله الرحمن الرحيم .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عيسى قال : ثنا
ابن المبارك ، عن
معمر ، عن
الزهري في قوله (
وألزمهم كلمة التقوى ) قال : بسم الله الرحمن الرحيم .
وقال آخرون : هي قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله
[ ص: 256 ] الحمد ، وهو على كل شيء قدير .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
أبو كريب قال : ثنا
ابن يمان قال : أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء (
وألزمهم كلمة التقوى ) قال : أحدهما الإخلاص ، وقال الآخر : كلمة التقوى : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير .
وقوله (
وكانوا أحق بها وأهلها ) يقول - تعالى ذكره - : وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنون أحق بكلمة التقوى من المشركين ، وأهلها : يقول : وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنون أهل كلمة التقوى دون المشركين .
وذكر أنها في قراءة
عبد الله ( وكانوا أهلها وأحق بها ) .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
وكانوا أحق بها وأهلها ) وكان المسلمون أحق بها ، وكانوا أهلها : أي التوحيد ، وشهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله .
وقوله ( وكان الله بكل شيء عليما ) يقول - تعالى ذكره - : ولم يزل الله بكل شيء ذا علم ، لا يخفى عليه شيء هو كائن ، ولعلمه أيها الناس بما يحدث من دخولكم
مكة وبها رجال مؤمنون ، ونساء مؤمنات لم تعلموهم ، لم يأذن لكم بدخولكم
مكة في سفرتكم هذه .