القول في تأويل قوله تعالى : (
لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا ( 27 ) )
[ ص: 257 ]
يقول - تعالى ذكره - : لقد
صدق الله رسوله محمدا رؤياه التي أراها إياه أنه يدخل هو وأصحابه بيت الله الحرام آمنين ، لا يخافون أهل الشرك ، مقصرا بعضهم رأسه ، ومحلقا بعضهم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس (
لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين ) قال هو دخول
محمد - صلى الله عليه وسلم - البيت والمؤمنون ، محلقين رءوسهم ومقصرين .
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قوله (
الرؤيا بالحق ) قال : أري
بالحديبية أنه يدخل
مكة وأصحابه محلقين ، فقال أصحابه حين نحر
بالحديبية : أين رؤيا
محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟
حدثنا
بشر ، قال ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق ) قال : رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه يطوف بالبيت وأصحابه ، فصدق الله رؤياه ، فقال (
لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين ) . . . حتى بلغ (
لا تخافون ) .
حدثنا
ابن عبد الأعلى قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة في قوله (
لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق ) قال : أري في المنام أنهم يدخلون
[ ص: 258 ] المسجد الحرام ، وأنهم آمنون محلقين رءوسهم ومقصرين .
حدثنا
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله (
لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق ) . . إلى آخر الآية . قال : قال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - : "
إني قد رأيت أنكم ستدخلون المسجد الحرام محلقين رءوسكم ومقصرين " فلما نزل بالحديبية ولم يدخل ذلك العام طعن المنافقون في ذلك ، فقالوا : أين رؤياه ؟ فقال الله ( لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق ) فقرأ حتى بلغ ( ومقصرين لا تخافون ) إني لم أره يدخلها هذا العام ، وليكونن ذلك " .
حدثنا
ابن حميد قال :
ثنا سلمة ، عن
ابن إسحاق (
لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق ) . . . إلى قوله (
إن شاء الله آمنين ) لرؤيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي أريها أنه سيدخل
مكة آمنا لا يخاف ، يقول : محلقين ومقصرين لا تخافون .
وقوله (
فعلم ما لم تعلموا ) يقول - تعالى ذكره - : فعلم الله - جل ثناؤه - ما لم تعلموا ، وذلك علمه - تعالى ذكره - بما
بمكة من الرجال والنساء المؤمنين ، الذين لم يعلمهم المؤمنون ، ولو دخلوها في ذلك العام لوطئوهم بالخيل والرجل ، فأصابتهم منهم معرة بغير علم ، فردهم الله عن
مكة من أجل ذلك .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله (
فعلم ما لم تعلموا ) قال : رده لمكان من بين أظهرهم من المؤمنين والمؤمنات ، وأخره ليدخل الله في رحمته من يشاء من يريد أن يهديه .
وقوله (
فجعل من دون ذلك فتحا قريبا ) اختلف أهل التأويل في
الفتح القريب ، الذي جعله الله للمؤمنين دون دخولهم المسجد الحرام محلقين رءوسهم
[ ص: 259 ] ومقصرين ، فقال بعضهم : هو الصلح الذي جرى بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين مشركي
قريش .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد قوله (
من دون ذلك فتحا قريبا ) قال : النحر بالحديبية ، ورجعوا فافتتحوا خيبر ، ثم اعتمر بعد ذلك ، فكان تصديق رؤياه في السنة القابلة .
حدثنا
ابن حميد قال :
ثنا سلمة ، عن
ابن إسحاق ، عن
الزهري قوله (
فجعل من دون ذلك فتحا قريبا ) يعني : صلح الحديبية ، وما فتح في الإسلام فتح كان أعظم منه ، إنما كان القتال حيث التقى الناس; فلما كانت الهدنة وضعت الحرب ، وأمن الناس كلهم بعضهم بعضا ، فالتقوا فتفاوضوا في الحديث والمنازعة ، فلم يكلم أحد بالإسلام يعقل شيئا إلا دخل فيه ، فلقد دخل في تينك السنتين في الإسلام مثل من كان في الإسلام قبل ذلك وأكثر .
حدثنا
ابن حميد قال :
ثنا سلمة ، عن
ابن إسحاق (
فجعل من دون ذلك فتحا قريبا ) قال : صلح الحديبية .
وقال آخرون : عنى بالفتح القريب في هذا الموضع فتح خيبر .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله (
فجعل من دون ذلك فتحا قريبا ) قال :
خيبر حين رجعوا من
الحديبية ، فتحها الله عليهم ، فقسمها على أهل
الحديبية كلهم إلا رجلا واحدا من
الأنصار ، يقال له :
nindex.php?page=showalam&ids=262أبو دجانة سماك بن خرشة ، كان قد شهد
الحديبية وغاب عن
خيبر .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله أخبر أنه جعل لرسوله والذين كانوا معه من أهل بيعة الرضوان فتحا قريبا من دون دخولهم المسجد
[ ص: 260 ] الحرام ، ودون تصديقه رؤيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان صلح
الحديبية وفتح
خيبر دون ذلك ، ولم يخصص الله - تعالى ذكره - خبره ذلك عن فتح من ذلك دون فتح ، بل عم ذلك ، وذلك كله فتح جعله الله من دون ذلك .
والصواب أن يعمه كما عمه ، فيقال : جعل الله من دون تصديقه رؤيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدخوله وأصحابه المسجد الحرام محلقين رءوسهم ومقصرين ، لا يخافون المشركين صلح
الحديبية وفتح
خيبر .