القول في تأويل قوله تعالى : (
إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم ( 3 ) )
يقول - تعالى ذكره - : إن
الذين يكفون رفع أصواتهم عند رسول الله ، وأصل الغض : الكف في لين . ومنه : غض البصر ، وهو كفه عن النظر ، كما قال
جرير :
فغض الطرف إنك من نمير فلا كعبا بلغت ولا كلابا
[ ص: 282 ]
وقوله (
أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى ) يقول - تعالى ذكره - : هؤلاء الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله ، هم الذين اختبر الله قلوبهم بامتحانه إياها ، فاصطفاها وأخلصها للتقوى ، يعني لاتقائه بأداء طاعته ، واجتناب معاصيه ، كما يمتحن الذهب بالنار ، فيخلص جيدها ، ويبطل خبثها .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد قوله (
امتحن الله قلوبهم ) قال : أخلص .
حدثنا
ابن عبد الأعلى قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة في قوله (
امتحن الله قلوبهم ) قال : أخلص الله قلوبهم فيما أحب .
وقوله ( لهم مغفرة ) يقول : لهم من الله عفو عن ذنوبهم السالفة ، وصفح منه عنها لهم ( وأجر عظيم ) يقول : وثواب جزيل ، وهو الجنة .