القول في تأويل قوله تعالى : (
واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون ( 7 )
فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم ( 8 ) )
يقول - تعالى ذكره - لأصحاب نبي الله - صلى الله عليه وسلم - : واعلموا أيها
[ ص: 290 ] المؤمنون بالله ورسوله (
أن فيكم رسول الله ) فاتقوا الله أن تقولوا الباطل ، وتفتروا الكذب ، فإن الله يخبره أخباركم ، ويعرفه أنباءكم ، ويقومه على الصواب في أموره .
وقوله (
لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ) يقول - تعالى ذكره - : لو كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعمل في الأمور بآرائكم ويقبل منكم ما تقولون له فيطيعكم ( لعنتم ) يقول : لنالكم عنت ، يعني الشدة والمشقة في كثير من الأمور بطاعته إياكم لو أطاعكم لأنه كان يخطئ في أفعاله كما لو قبل من الوليد بن عقبة قوله في بني المصطلق : إنهم قد ارتدوا ، ومنعوا الصدقة ، وجمعوا الجموع لغزو المسلمين ، فغزاهم فقتل منهم ، وأصاب من دمائهم وأموالهم ، كان قد قتل وقتلتم من لا يحل له ولا لكم قتله ، وأخذ وأخذتم من المال ما لا يحل له ولكم أخذه من أموال قوم مسلمين ، فنالكم من الله بذلك عنت (
ولكن الله حبب إليكم الإيمان ) بالله ورسوله ، فأنتم تطيعون رسول الله ، وتأتمون به فيقيكم الله بذلك من العنت ما لو لم تطيعوه وتتبعوه ، وكان يطيعكم لنالكم وأصابكم .
وقوله (
وزينه في قلوبكم ) يقول : وحسن الإيمان في قلوبكم فآمنتم (
وكره إليكم الكفر ) بالله ( والفسوق ) يعني الكذب ( والعصيان ) يعني ركوب ما نهى الله عنه في خلاف أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتضييع ما أمر الله به (
أولئك هم الراشدون ) يقول : هؤلاء الذين حبب الله إليهم الإيمان ، وزينه في قلوبهم ، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون السالكون طريق الحق .
وقوله (
فضلا من الله ونعمة ) يقول : ولكن الله حبب إليكم الإيمان ، وأنعم عليكم هذه النعمة التي عدها فضلا منه وإحسانا ونعمة منه أنعمها عليكم ( والله عليم حكيم ) يقول : والله ذو علم بالمحسن منكم من المسيء ، ومن هو لنعم الله وفضله أهل ، ومن هو لذلك غير أهل ، وحكمة في تدبيره خلقه ،
[ ص: 291 ] وصرفه إياهم فيما شاء من قضائه .
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله (
واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ) قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
واعلموا أن فيكم رسول الله ) . . . حتى بلغ ( لعنتم ) هؤلاء أصحاب نبي الله - صلى الله عليه وسلم - لو أطاعهم نبي الله في كثير من الأمر لعنتم ، فأنتم والله أسخف رأيا ، وأطيش عقولا ، اتهم رجل رأيه ، وانتصح كتاب الله ، فإن كتاب الله ثقة لمن أخذ به ، وانتهى إليه ، وإن ما سوى كتاب الله تغرير .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، قال : قال معمر : تلا قتادة " لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم " قال : فأنتم أسخف رأيا ، وأطيش أحلاما ، اتهم رجل رأيه ، وانتصح كتاب الله . وكذلك كما قلنا أيضا في تأويل قوله (
ولكن الله حبب إليكم الإيمان ) قالوا .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله (
حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم ) قال : حببه إليهم وحسنه في قلوبهم .
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله (
وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون فضلا من الله ونعمة ) قالوا أيضا .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله : (
وكره إليكم الكفر والفسوق ) قال : الكذب والعصيان . قال : عصيان النبي - صلى الله عليه وسلم - (
أولئك هم الراشدون ) من أين كان هذا ؟ قال : فضل من الله ونعمة ، قال : والمنافقون سماهم الله أجمعين في القرآن الكاذبين . قال :
[ ص: 292 ] والفاسق : الكاذب في كتاب الله كله .