القول في تأويل قوله تعالى : (
ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ( 13 ) )
يقول - تعالى ذكره - : يا أيها الناس إنا أنشأنا خلقكم من ماء ذكر من الرجال ، وماء أنثى من النساء .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
أبو هشام قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16527عبيد الله بن موسى قال : أخبرنا
عثمان بن الأسود ، عن
مجاهد قال : خلق الله الولد من ماء الرجل وماء المرأة ، وقد قال تبارك وتعالى (
يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ) .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
مهران قال : ثنا
عثمان بن الأسود ، عن
مجاهد قوله (
إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ) قال : ما خلق الله الولد إلا من نطفة الرجل والمرأة جميعا ، لأن الله يقول (
خلقناكم من ذكر وأنثى ) .
وقوله (
وجعلناكم شعوبا وقبائل ) يقول : وجعلناكم متناسبين ، فبعضكم يناسب بعضا نسبا بعيدا ، وبعضكم يناسب بعضا نسبا قريبا ، فالمناسب
[ ص: 310 ] النسب البعيد من لم ينسبه أهل الشعوب ، وذلك إذا قيل للرجل من العرب : من أي شعب أنت؟ قال : أنا من مضر ، أو من ربيعة . وأما أهل المناسبة القريبة أهل القبائل ، وهم
كتميم من
مضر ،
وبكر من
ربيعة ، وأقرب القبائل الأفخاذ وهما
كشيبان من
بكر ودارم من
تميم ، ونحو ذلك ، ومن الشعب قول
ابن أحمر الباهلي :
من شعب همدان أو سعد العشيرة أو خولان أو مذحج هاجوا له طربا
وبنحو الذي قلنا في معنى قوله (
وجعلناكم شعوبا وقبائل ) قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
أبو كريب قال : ثنا
أبو بكر بن عياش قال : ثنا
أبو حصين ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس (
وجعلناكم شعوبا وقبائل ) قال : الشعوب : الجماع والقبائل : البطون .
حدثنا
خلاد بن أسلم قال : ثنا
أبو بكر بن عياش ، عن
أبي حصين ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس في قوله (
وجعلناكم شعوبا وقبائل ) قال : الشعوب : الجماع . قال
خلاد قال
أبو بكر : القبائل العظام ، مثل
بني تميم ، والقبائل : الأفخاذ .
حدثنا
أبو كريب قال : ثنا
ابن عطية قال : ثنا
إسرائيل ، عن
أبي حصين ، عن
سعيد بن جبير (
وجعلناكم شعوبا وقبائل ) قال : الشعوب : الجمهور ، والقبائل : الأفخاذ .
[ ص: 311 ]
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد قوله ( شعوبا ) قال : النسب البعيد . ( وقبائل ) دون ذلك .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
وجعلناكم شعوبا وقبائل ) قال : الشعوب : النسب البعيد ، والقبائل كقوله : فلان من بني فلان ، وفلان من بني فلان .
حدثنا
ابن عبد الأعلى قال : ثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة . (
وجعلناكم شعوبا ) قال : هو النسب البعيد . قال : والقبائل : كما تسمعه يقال : فلان من بني فلان .
حدثت عن
الحسين قال : سمعت
أبا معاذ يقول : أخبرنا
عبيد قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله (
وجعلناكم شعوبا ) قال : أما الشعوب : فالنسب البعيد .
وقال بعضهم : الشعوب : الأفخاذ .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن بشار قال : ثنا
عبد الرحمن قال : ثنا
سفيان ، عن
أبي حصين ، عن
سعيد بن جبير (
وجعلناكم شعوبا وقبائل ) قال : الشعوب : الأفخاذ ، والقبائل : القبائل .
وقال آخرون : الشعوب : البطون ، والقبائل : الأفخاذ .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
يحيى بن طلحة قال : ثنا
أبو بكر بن عياش ، عن
أبي حصين ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس (
وجعلناكم شعوبا وقبائل ) قال : الشعوب : البطون ، والقبائل : الأفخاذ الكبار .
وقال آخرون : الشعوب : الأنساب .
[ ص: 312 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن سعد قال : ثنى أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس : (
وجعلناكم شعوبا وقبائل ) قال : الشعوب : الأنساب .
وقوله ( لتعارفوا ) يقول : ليعرف بعضكم بعضا في النسب ، يقول - تعالى ذكره - : إنما جعلنا هذه الشعوب والقبائل لكم أيها الناس ، ليعرف بعضكم بعضا في قرب القرابة منه وبعده ، لا لفضيلة لكم في ذلك ، وقربة تقربكم إلى الله ، بل أكرمكم عند الله أتقاكم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد (
وقبائل لتعارفوا ) قال : جعلنا هذا لتعارفوا ، فلان بن فلان من كذا وكذا .
وقوله (
إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) يقول - تعالى ذكره - : إن أكرمكم أيها الناس عند ربكم ، أشدكم اتقاء له بأداء فرائضه واجتناب معاصيه ، لا أعظمكم بيتا ولا أكثركم عشيرة .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : ثني
ابن لهيعة ، عن
الحارث بن يزيد ، عن
علي بن رباح ، عن
عقبة بن عامر ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "
الناس لآدم وحواء كطف الصاع لم يملأوه ، إن الله لا يسألكم عن أحسابكم ولا عن أنسابكم يوم القيامة ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم " .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : ثني
ابن لهيعة ، عن
[ ص: 313 ] الحارث بن يزيد ، عن
علي بن رباح ، عن
عقبة بن عامر ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=811010إن أنسابكم هذه ليست بمساب على أحد ، وإنما أنتم ولد آدم طف الصاع لم تملأوه ، ليس لأحد على أحد فضل إلا بدين أو عمل صالح حسب الرجل أن يكون فاحشا بذيا بخيلا جبانا " .
حدثني
يعقوب بن إبراهيم قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال : سمعت
عطاء يقول : قال
ابن عباس : " ثلاث آيات جحدهن الناس : الإذن كله ، وقال : (
إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) وقال الناس أكرمكم : أعظمكم بيتا; وقال عطاء : نسيت الثالثة " .
وقوله (
إن الله عليم خبير ) يقول - تعالى ذكره - : إن الله أيها الناس ذو علم بأتقاكم عند الله وأكرمكم عنده ، ذو خبرة بكم وبمصالحكم ، وغير ذلك من أموركم ، لا تخفى عليه خافية .