القول في
تأويل قوله تعالى : ( بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج ( 5 )
أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج ( 6 ) )
يقول - تعالى ذكره - : ما أصاب هؤلاء المشركون القائلون (
أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد ) في قيلهم هذا (
بل كذبوا بالحق ) وهو القرآن (
لما جاءهم ) من الله .
كالذي حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
بل كذبوا بالحق لما جاءهم ) أي كذبوا بالقرآن (
فهم في أمر مريج ) يقول : فهم في أمر مختلط عليهم ملتبس ، لا يعرفون حقه من باطله ، يقال قد
[ ص: 330 ] مرج أمر الناس إذا اختلط وأهمل .
وقد اختلفت عبارات أهل التأويل في تأويلها ، وإن كانت متقاربات المعاني ، فقال بعضهم : معناها : فهم في أمر منكر وقال : المريج : هو الشيء المنكر .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن خالد بن خداش قال : ثني
سلم بن قتيبة ، عن
وهب بن حبيب الآمدي ، عن
أبي حمزة ، عن
ابن عباس أنه سئل عن قوله (
أمر مريج ) قال : المريج : الشيء المنكر ، أما سمعت قول الشاعر :
فجالت والتمست به حشاها فخر كأنه خوط مريج
وقال آخرون : بل معنى ذلك : في أمر مختلف .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي قال : ثنا
أبو صالح قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس قوله (
في أمر مريج ) يقول : مختلف .
وقال آخرون : بل معناه : في أمر ضلالة .
[ ص: 331 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس (
فهم في أمر مريج ) قال : هم في أمر ضلالة .
وقال آخرون : بل معناه : في أمر ملتبس .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
أبو كريب قال : ثنا
يحيى بن يمان ، عن
أشعث بن إسحاق ، عن
جعفر بن أبي المغيرة ، عن
سعيد بن جبير في قوله (
فهم في أمر مريج ) قال : ملتبس .
حدثنا
محمد بن عمرو قال :
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد قوله (
أمر مريج ) قال : ملتبس .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله (
فهم في أمر مريج ) ملتبس عليهم أمره .
حدثنا
ابن عبد الأعلى قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر قال : والتبس عليه دينه .
وقال آخرون : بل هو المختلط .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله (
في أمر مريج ) قال : المريج : المختلط .
وإنما قلت : هذه العبارات وإن اختلفت ألفاظها فهي في المعنى متقاربات ؛ لأن الشيء مختلف ملتبس معناه مشكل . وإذا كان كذلك كان منكرا ؛ لأن المعروف واضح بين ، وإذا كان غير معروف كان لا شك ضلالة ؛ لأن الهدى بين لا لبس فيه .
[ ص: 332 ]
وقوله (
أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها ) يقول - تعالى ذكره - : أفلم ينظر هؤلاء المكذبون بالبعث بعد الموت المنكرون قدرتنا على إحيائهم بعد بلائهم (
إلى السماء فوقهم كيف بنيناها ) فسويناها سقفا محفوظا ، وزيناها بالنجوم (
وما لها من فروج ) يعني : وما لها من صدوع وفتوق .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد قوله (
من فروج ) قال : شق .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله (
وما لها من فروج ) قلت له - يعني ابن زيد - : الفروج : الشيء المتبرئ بعضه من بعض ، قال : نعم .