القول في
تأويل قوله تعالى : ( وقال قرينه هذا ما لدي عتيد ( 23 )
ألقيا في جهنم كل كفار عنيد ( 24 )
مناع للخير معتد مريب ( 25 ) )
[ ص: 353 ]
يقول - تعالى ذكره - : وقال قرين هذا الإنسان الذي جاء به يوم القيامة معه سائق وشهيد .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
وقال قرينه هذا ما لدي عتيد ) الملك .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله (
وقال قرينه هذا ما لدي عتيد ) . . . إلى آخر الآية ، قال : هذا سائقه الذي وكل به ، وقرأ (
وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد ) .
وقوله (
هذا ما لدي عتيد ) يقول - تعالى ذكره - مخبرا عن قيل قرين هذا الإنسان عند موافاته ربه به ، رب هذا ما لدي عتيد : يقول : هذا الذي هو عندي معد محفوظ .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله (
هذا ما لدي عتيد ) قال : والعتيد : الذي قد أخذه ، وجاء به السائق والحافظ معه جميعا .
وقوله (
ألقيا في جهنم كل كفار عنيد ) فيه متروك استغني بدلالة الظاهر عليه منه ، وهو : يقال ألقيا في جهنم ، أو قال تعالى : ألقيا ، فأخرج الأمر للقرين ، وهو بلفظ واحد مخرج خطاب الاثنين . وفي ذلك وجهان من التأويل : أحدهما : أن يكون القرين بمعنى الاثنين ، كالرسول ، والاسم الذي يكون بلفظ الواحد في الواحد ، والتثنية والجمع ، فرد قوله (
ألقيا في جهنم ) إلى المعنى . والثاني : أن يكون كما كان بعض أهل العربية يقول ، وهو أن العرب تأمر الواحد والجماعة
[ ص: 354 ] بما تأمر به الاثنين ، فتقول للرجل ويلك أرجلاها وازجراها ، وذكر أنه سمعها من العرب; قال : وأنشدني بعضهم :
فقلت لصاحبي لا تحبسانا بنزع أصوله واجتز شيحا
قال : وأنشدني
أبو ثروان :
فإن تزجراني يا ابن عفان أنزجر وإن تدعاني أحم عرضا ممنعا
قال : فيروى أن ذلك منهم أن الرجل أدنى أعوانه في إبله وغنمه اثنان ، وكذلك الرفقة أدنى ما تكون ثلاثة ، فجرى كلام الواحد على صاحبيه ، وقال : ألا ترى
[ ص: 355 ] الشعراء أكثر قيلا يا صاحبي يا خليلي ، وقال
امرؤ القيس :
خليلي مرا بي على أم جندب نقض لبانات الفؤاد المعذب
ثم قال :
ألم تر أني كلما جئت طارفا وجدت بها طيبات وإن لم تطيب
فرجع إلى الواحد ، وأول الكلام اثنان; قال : وأنشدني بعضهم :
خليلي قوما في عطالة فانظرا أنار ترى من ذي أبانين أم برقا
وبعضهم يروي : أنارا نرى .
(
كل كفار عنيد ) يعني : كل جاحد وحدانية الله عنيد ، وهو العاند عن الحق وسبيل الهدى .
وقوله (
مناع للخير ) كان
قتادة يقول في الخير في هذا الموضع : هو
[ ص: 356 ] الزكاة المفروضة .
حدثنا بذلك
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة .
والصواب من القول في ذلك عندي أنه كل حق وجب لله ، أو لآدمي فى ماله ، والخير في هذا الموضع هو المال .
وإنما قلنا ذلك هو الصواب من القول ، لأن الله - تعالى ذكره - عم بقوله (
مناع للخير ) عنه أنه يمنع الخير ، ولم يخصص منه شيئا دون شيء ، فذلك على كل خير يمكن منعه طالبه .
وقوله ( معتد ) يقول : معتد على الناس بلسانه بالبذاء والفحش في المنطق ، وبيده بالسطوة والبطش ظلما .
كما حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة : معتد في منطقه وسيرته وأمره .
وقوله ( مريب ) يعني : شاك في وحدانية الله وقدرته على ما يشاء .
كما حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله ( مريب ) : أي شاك .