القول في
تأويل قوله تعالى : ( وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد ( 31 )
هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ ( 32 )
من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب ( 33 ) )
يعني - تعالى ذكره - بقوله (
وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد ) وأدنيت الجنة وقربت للذين اتقوا ربهم ، فخافوا عقوبته بأداء فرائضه ، واجتناب معاصيه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله
[ ص: 364 ] (
وأزلفت الجنة للمتقين ) يقول : وأدنيت (
غير بعيد ) .
وقوله (
هذا ما توعدون ) يقول : قال لهم : هذا الذي توعدون أيها المتقون ، أن تدخلوها وتسكنوها وقوله (
لكل أواب ) يعني : لكل راجع من معصية الله إلى طاعته ، تائب من ذنوبه .
وقد اختلف أهل التأويل في معنى ذلك ، فقال بعضهم : هو المسبح ، وقال بعضهم : هو التائب ، وقد ذكرنا اختلافهم في ذلك فيما مضى بما أغنى عن إعادته ، غير أنا نذكر في هذا الموضع ما لم نذكره هنالك .
حدثني
سليمان بن عبد الجبار قال : ثنا
محمد بن الصلت قال : ثنا
أبو كدينة ، عن
عطاء ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس (
لكل أواب ) قال : لكل مسبح .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
مسلم الأعور ، عن
مجاهد قال : الأواب : المسبح .
حدثنا
الحسن بن عرفة قال : ثني
يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية قال : ثني أبي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14152الحكم بن عتيبة في قول الله (
لكل أواب حفيظ ) قال : هو الذاكر الله في الخلاء .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17417يونس بن خباب ، عن
مجاهد (
لكل أواب حفيظ ) قال : الذي يذكر ذنوبه فيستغفر منها .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله (
هذا ما توعدون لكل أواب ) . قال : ثنا
مهران ، عن
خارجة ، عن
عيسى الحناط ، عن
الشعبي قال : هو الذي يذكر ذنوبه في خلاء فيستغفر منها ( حفيظ ) : أي مطيع لله كثير الصلاة .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله (
لكل أواب حفيظ ) قال : الأواب : التواب الذي يئوب إلى طاعة الله ويرجع
[ ص: 365 ] إليها .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
جرير ، عن
منصور ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17417يونس بن خباب في قوله (
لكل أواب حفيظ ) قال : الرجل يذكر ذنوبه ، فيستغفر الله لها .
وقوله ( حفيظ ) اختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم : حفظ ذنوبه حتى تاب منها .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
مهران ، عن
أبي سنان ، عن
أبي إسحاق ، عن
التميمي قال : سألت
ابن عباس ، عن الأواب الحفيظ ، قال : حفظ ذنوبه حتى رجع عنها .
وقال آخرون : معناه : أنه حفيظ على فرائض الله وما ائتمنه عليه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ( حفيظ ) قال : حفيظ لما استودعه الله من حقه ونعمته .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله - تعالى ذكره - وصف هذا التائب الأواب بأنه حفيظ ، ولم يخص به على حفظ نوع من أنواع الطاعات دون نوع ، فالواجب أن يعم كما عم جل ثناؤه ، فيقال : هو حفيظ لكل ما قربه إلى ربه من الفرائض والطاعات والذنوب التي سلفت منه للتوبة منها والاستغفار .
وقوله (
من خشي الرحمن بالغيب ) يقول : من خاف الله في الدنيا من قبل أن يلقاه ، فأطاعه ، واتبع أمره .
وفي ( من ) في قوله (
من خشي ) وجهان من الإعراب : الخفض على إتباعه " كل " في قوله (
لكل أواب ) والرفع على الاستئناف ، وهو مراد به الجزاء من خشي الرحمن بالغيب ، قيل له : ادخل الجنة; فيكون حينئذ قوله (
ادخلوها بسلام )
[ ص: 366 ] جوابا للجزاء أضمر قبله القول ، وحمل فعلا للجميع ، لأن ( من ) قد تكون في مذهب الجميع .
وقوله (
وجاء بقلب منيب ) يقول : وجاء الله بقلب تائب من ذنوبه ، راجع مما يكرهه الله إلى ما يرضيه .
كما حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله (
وجاء بقلب منيب ) : أي منيب إلى ربه مقبل .