القول في
تأويل قوله تعالى : ( وفي الأرض آيات للموقنين ( 20 )
وفي أنفسكم أفلا تبصرون ( 21 )
وفي السماء رزقكم وما توعدون ( 22 ) )
يقول - تعالى ذكره - : وفي الأرض عبر وعظات لأهل اليقين بحقيقة ما عاينوا ورأوا إذا ساروا فيها .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
[ ص: 419 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن عبد الأعلى قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة في قوله (
وفي الأرض آيات للموقنين ) قال : يقول : معتبر لمن اعتبر .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله (
وفي الأرض آيات للموقنين ) إذا سار في أرض الله رأى عبرا وآيات عظاما .
وقوله (
وفي أنفسكم أفلا تبصرون ) اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : وفي سبيل الخلاء والبول في أنفسكم عبرة لكم ، ودليل لكم على ربكم ، أفلا تبصرون إلى ذلك منكم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
أحمد بن عبد الصمد الأنصاري قال : ثنا
أبو أسامة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
ابن المرتفع قال : سمعت
ابن الزبير يقول : (
وفي أنفسكم أفلا تبصرون ) قال : سبيل الغائط والبول .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
محمد بن المرتفع ، عن
عبد الله بن الزبير (
وفي أنفسكم أفلا تبصرون ) قال : سبيل الخلاء والبول .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وفي تسوية الله تبارك وتعالى مفاصل أبدانكم وجوارحكم دلالة لكم على أن خلقتم لعبادته .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله (
وفي أنفسكم أفلا تبصرون ) ، وقرأ قول الله تبارك وتعالى (
ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون ) قال : وفينا آيات كثيرة ، هذا السمع والبصر واللسان والقلب ، لا يدري أحد ما هو أسود أو أحمر ، وهذا الكلام الذي يتلجلج به ، وهذا القلب أي شيء هو ؟! ، إنما هو مضغة في جوفه ،
[ ص: 420 ] يجعل الله فيه العقل ، أفيدري أحد ما ذاك العقل ؟ وما صفته ؟ وكيف هو ؟ .
والصواب من القول في ذلك أن يقال : معنى ذلك : وفي أنفسكم أيضا أيها الناس آيات وعبر تدلكم على وحدانية صانعكم ، وأنه لا إله لكم سواه ، إذ كان لا شيء يقدر على أن يخلق مثل خلقه إياكم (
أفلا تبصرون ) يقول : أفلا تنظرون في ذلك فتتفكروا فيه ، فتعلموا حقيقة وحدانية خالقكم .
وقوله (
وفي السماء رزقكم ) يقول - تعالى ذكره - : وفي السماء : المطر والثلج اللذان بهما تخرج الأرض رزقكم ، وقوتكم من الطعام والثمار وغير ذلك .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال بعض أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عبد الله بن بزيع قال : ثنا
النضر قال : ثنا
جويبر ، عن
الضحاك في قوله (
وفي السماء رزقكم ) قال : المطر .
حدثنا
أبو كريب قال : ثنا
ابن يمان ، عن
أشعث ، عن
جعفر ، عن
سعيد في قوله (
وفي السماء رزقكم وما توعدون ) قال : الثلج ، وكل عين ذائبة من الثلج لا تنقص .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17418يونس بن عبد الأعلى قال : ثنا
سفيان ، عن
عبد الكريم ، عن
الحسن قال : في السحاب فيه - والله - رزقكم ، ولكنكم تحرمونه بخطاياكم وأعمالكم .
قال : أخبرنا
سفيان ، عن
إسماعيل بن أمية قال : أحسبه أو غيره "
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلا - ومطروا - ، يقول : ومطرنا ببعض عثانين الأسد ، فقال كذبت ، بل هو رزق الله " .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
مجاهد (
وفي السماء رزقكم وما توعدون ) قال : رزقكم
[ ص: 421 ] المطر .
قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان (
وفي السماء رزقكم ) قال : رزقكم المطر .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : ومن عند الله الذي في السماء رزقكم ، وممن تأوله كذلك واصل الأحدب .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
هارون بن المغيرة من أهل الرأي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري قال : قرأ واصل الأحدب هذه الآية (
وفي السماء رزقكم وما توعدون ) فقال : ألا إن رزقي في السماء وأنا أطلبه في الأرض ، فدخل خربة فمكث ثلاثا لا يصيب شيئا ، فلما كان اليوم الثالث إذا هو بدوخلة رطب ، وكان له أخ أحسن نية منه ، فدخل معه ، فصارتا دوخلتين ، فلم يزل ذلك دأبهما حتى فرق الموت بينهما .
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله (
وما توعدون ) فقال بعضهم : معنى ذلك : وما توعدون من خير ، أو شر .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
مجاهد (
وما توعدون ) قال : وما توعدون من خير أو شر .
حدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد (
وفي السماء رزقكم وما توعدون ) يقول : الجنة في السماء ، وما توعدون من خير أو شر .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وما توعدون من الجنة والنار .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عبد الله بن بزيع قال : ثنا
النضر قال : أخبرنا
جويبر ، عن
الضحاك في قوله (
وما توعدون ) قال : الجنة والنار .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، (
وما توعدون ) من الجنة .
[ ص: 422 ]
وأولى القولين بالصواب في ذلك عندي ، القول الذي قاله
مجاهد ، لأن الله عم الخبر بقوله (
وما توعدون ) عن كل ما وعدنا من خير أو شر ، ولم يخصص بذلك بعضا دون بعض ، فهو على عمومه كما عمه الله جل ثناؤه .