القول في
تأويل قوله تعالى : ( إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ( 58 )
فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم فلا يستعجلون ( 59 ) )
يقول - تعالى ذكره - : إن الله هو الرزاق خلقه ، المتكفل بأقواتهم ، ذو القوة المتين .
اختلفت القراء في قراءة قوله ( المتين ) ، فقرأته عامة قراء الأمصار خلا
يحيى بن وثاب nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش : (
ذو القوة المتين ) رفعا ، بمعنى : ذو القوة الشديد ، فجعلوا " المتين " من نعت " ذي " ، ووجهوه إلى وصف الله به . وقرأه
يحيى [ ص: 446 ] nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش ( المتين ) خفضا ، فجعلاه من نعت القوة ، وإنما استجاز خفض ذلك من قرأه بالخفض ، ويصيره من نعت القوة ، والقوة مؤنثة ، والمتين في لفظ مذكر ، لأنه ذهب بالقوة من قوي الحبل والشيء المبرم : الفتل ، فكأنه قال على هذا المذهب : ذو الحبل القوي . وذكر الفراء أن بعض العرب أنشده :
لكل دهر قد لبست أثؤبا من ربطة واليمنة المعصبا
فجعل المعصب نعت اليمنة ، وهي مؤنثة في اللفظ ، لأن اليمنة ضرب وصنف من الثياب ، فذهب بها إليه .
والصواب من القراءة في ذلك عندنا (
ذو القوة المتين ) رفعا على أنه من صفة الله جل ثناؤه ، لإجماع الحجة من القراء عليه ، وأنه لو كان من نعت القوة لكان التأنيث به أولى ، وإن كان للتذكير وجه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
[ ص: 447 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي قال : ثنا
أبو صالح قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس قوله (
ذو القوة المتين ) يقول : الشديد .
وقوله (
فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم فلا يستعجلون ) يقول - تعالى ذكره - : فإن للذين أشركوا بالله من قريش وغيرهم ذنوبا ، وهي الدلو العظيمة ، وهو السجل أيضا إذا ملئت أو قاربت الملء ، وإنما أريد بالذنوب في هذا الموضع : الحظ والنصيب ; ومنه قول
علقمة بن عبدة :
وفي كل قوم قد خبطت بنعمة فحق لشأس من نداك ذنوب
أي نصيب ، وأصله ما ذكرت ; ومنه قول الراجز :
لنا ذنوب ولكم ذنوب فإن أبيتم فلنا القليب
ومعنى الكلام : فإن للذين ظلموا من عذاب الله نصيبا وحظا نازلا بهم ، مثل نصيب أصحابهم الذين مضوا من قبلهم من الأمم ، على منهاجهم من العذاب ، فلا يستعجلون به .
[ ص: 448 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي قال : ثنا
أبو صالح قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس قوله (
فإن للذين ظلموا ذنوبا ) يقول : دلوا .
حدثني
محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله (
فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم ) قال : يقول للذين ظلموا عذابا مثل عذاب أصحابهم فلا يستعجلون .
حدثنا
ابن بشار قال : ثنا
محمد بن جعفر قال : ثنا
شعبة ، عن
أبي بشر ، عن
سعيد بن جبير (
ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم ) فلا يستعجلون : سجلا من العذاب .
قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16577عفان بن مسلم قال : ثنا
شهاب بن سريعة ، عن
الحسن في قوله (
ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم ) قال : دلوا مثل دلو أصحابهم .
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ( ذنوبا ) قال : سجلا .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله (
فإن للذين ظلموا ذنوبا ) : سجلا من عذاب الله .
حدثنا
ابن عبد الأعلى قال : ثني
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة قوله (
فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم ) قال : عذابا مثل عذاب أصحابهم .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله (
فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم ) قال : يقول ذنوبا من العذاب ، قال : يقول لهم سجل من عذاب الله ، وقد فعل هذا بأصحابهم من قبلهم ،
[ ص: 449 ] فلهم عذاب مثل عذاب أصحابهم فلا يستعجلون .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
منصور ، عن
إبراهيم (
ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم ) قال : طرفا من العذاب .