القول في تأويل قوله تعالى : (
وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون ( 22 )
يتنازعون فيها كأسا لا لغو فيها ولا تأثيم ( 23 ) )
[ ص: 474 ]
يقول - تعالى ذكره - : وأمددنا هؤلاء الذين آمنوا بالله ورسوله ، واتبعتهم ذريتهم بإيمان في الجنة ، بفاكهة ولحم مما يشتهون من اللحمان .
وقوله : (
يتنازعون فيها كأسا ) يقول : يتعاطون فيها كأس الشراب ، ويتداولونها بينهم ، كما قال
الأخطل :
نازعته طيب الراح الشمول وقد صاح الدجاج وحانت وقعة الساري
وقوله (
لا لغو فيها ) يقول : لا باطل في الجنة ، والهاء في قوله " فيها " من ذكر الكأس ، ويكون المعنى لما فيها الشراب بمعنى : أن أهلها لا لغو عندهم فيها ولا تأثيم ، واللغو : الباطل .
وقوله : (
ولا تأثيم ) يقول : ولا فعل فيها يؤثم صاحبه . وقيل : عنى بالتأثيم : الكذب .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي قال : ثنا
أبو صالح قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس قوله : (
لا لغو فيها ) يقول : لا باطل فيها .
وقوله : (
ولا تأثيم ) يقول : لا كذب .
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد قوله : (
لا لغو فيها ) قال : لا يستبون (
ولا تأثيم ) يقول : ولا يؤثمون .
حدثنا
بشر قال ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله :
[ ص: 475 ] (
لا لغو فيها ولا تأثيم ) : أي لا لغو فيها ولا باطل ، إنما كان الباطل في الدنيا مع الشيطان .
وحدثنا
ابن عبد الأعلى قال : ثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة في قوله : (
لا لغو فيها ولا تأثيم ) قال : ليس فيها لغو ولا باطل ، إنما كان اللغو والباطل في الدنيا .
واختلفت القراء في قراءة قوله : (
لا لغو فيها ولا تأثيم ) فقرأ ذلك عامة
قراء المدينة والكوفة (
لا لغو فيها ولا تأثيم ) بالرفع والتنوين على وجه الخبر ، على أنه ليس في الكأس لغو ولا تأثيم . وقرأه بعض
قراء البصرة لا لغو فيها ولا تأثيم نصبا غير منون على وجه التبرئة .
والقول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب ، وإن كان الرفع والتنوين أعجب القراءتين إلي لكثرة القراءة بها ، وأنها أصح المعنيين .