القول في تأويل قوله تعالى : (
فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون ( 29 )
أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون ( 30 )
قل تربصوا فإني معكم من المتربصين ( 31 ) )
يقول - تعالى ذكره - لنبيه
محمد - صلى الله عليه وسلم - : فذكر يا
محمد من أرسلت إليه من قومك وغيرهم ، وعظهم بنعم الله عندهم (
فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون ) يقول فلست بنعمة الله عليك بكاهن تتكهن ، ولا مجنون له رئي يخبر عنه قومه ما أخبره به ، ولكنك رسول الله ، والله لا يخذلك ، ولكنه ينصرك 478 .
[ ص: 478 ]
وقوله : (
أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون ) يقول جل ثناؤه : بل يقول المشركون يا
محمد لك : هو شاعر نتربص به حوادث الدهر ، يكفيناه بموت أو حادثة متلفة .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل وإن اختلفت عباراتهم عنه ، فقال بعضهم فيه كالذي قلنا . وقال بعضهم : هو الموت .
ذكر من قال : عنى بقوله : (
ريب المنون ) : حوادث الدهر :
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد قوله : (
ريب المنون ) قال : حوادث الدهر .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان قال : قال
مجاهد (
ريب المنون ) حوادث الدهر .
ذكر من قال : عنى به الموت : حدثني
علي قال : ثنا
أبو صالح قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس قوله : (
ريب المنون ) يقول : الموت .
حدثني
محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله : (
نتربص به ريب المنون ) قال : يتربصون به الموت .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : (
أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون ) قال : قال ذلك قائلون من الناس : تربصوا
بمحمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الموت يكفيكموه ، كما كفاكم شاعر بني فلان وشاعر بني فلان .
حدثنا
ابن عبد الأعلى قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة في قوله : (
ريب المنون ) قال : هو الموت ، نتربص به الموت ، كما مات شاعر بني فلان ، وشاعر بني فلان .
[ ص: 479 ]
وحدثني
سعيد بن يحيى الأموي قال : ثني أبي ، قال : ثنا
محمد بن إسحاق ، عن
عبد الله بن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، عن
ابن عباس أن قريشا لما اجتمعوا في دار الندوة في أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - قال قائل منهم : احبسوه في وثاق ، ثم تربصوا به المنون حتى يهلك كما هلك من قبله من الشعراء زهير والنابغة ، إنما هو كأحدهم ، فأنزل الله في ذلك من قولهم : (
أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون ) .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله : (
نتربص به ريب المنون ) الموت ، وقال الشاعر :
تربص بها ريب المنون لعلها سيهلك عنها بعلها أو " تسرح "
وقال آخرون : معنى ذلك : ريب الدنيا ، وقالوا : المنون : الموت .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
مهران ، عن
أبي سنان (
ريب المنون ) قال : ريب الدنيا ، والمنون : الموت .
وقوله : ( قل تربصوا ) يقول - تعالى ذكره - لنبيه
محمد - صلى الله عليه وسلم - : قل يا
محمد لهؤلاء المشركين الذين يقولون لك : إنك شاعر نتربص بك ريب المنون ، تربصوا : أي انتظروا وتمهلوا في ريب المنون ، فإني معكم من المتربصين بكم ، حتى يأتي أمر الله فيكم .