القول في تأويل قوله تعالى : (
أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون ( 35 )
أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون ( 36 ) )
يقول - تعالى ذكره - : أخلق هؤلاء المشركون من غير شيء ، أي من غير آباء ولا أمهات ، فهم كالجماد ، لا يعقلون ولا يفهمون لله حجة ، ولا يعتبرون له بعبرة ، ولا يتعظون بموعظة . وقد قيل : إن معنى ذلك : أم خلقوا لغير شيء ، كقول القائل : فعلت كذا وكذا من غير شيء ، بمعنى : لغير شيء .
وقوله : (
أم هم الخالقون ) يقول : أم هم الخالقون هذا الخلق ، فهم لذلك لا يأتمرون لأمر الله ، ولا ينتهون عما نهاهم عنه ، لأن للخالق الأمر والنهي (
أم خلقوا السماوات والأرض ) يقول : أخلقوا السماوات والأرض فيكونوا هم الخالقين ، وإنما معنى ذلك : لم يخلقوا السموات والأرض ، ( بل لا يوقنون ) يقول : لم يتركوا أن يأتمروا لأمر ربهم ، وينتهوا إلى طاعته فيما أمر ونهى ، لأنهم خلقوا السموات والأرض ، فكانوا بذلك أربابا ، ولكنهم فعلوا ، لأنهم لا يوقنون بوعيد الله وما أعد لأهل الكفر به من العذاب في الآخرة .