القول في تأويل قوله تعالى : (
وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم ( 44 )
فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون ( 45 ) )
[ ص: 485 ]
يقول - تعالى ذكره - : وإن ير هؤلاء المشركون قطعا من السماء ساقطا ، والكسف : جمع كسفة ، مثل التمر جمع تمرة ، والسدر جمع سدرة .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي قال : ثنا
أبو صالح قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس قوله : ( كسفا ) يقول : قطعا .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله (
وإن يروا كسفا ) يقول : وإن يروا قطعا (
من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم ) يقول جل ثناؤه : يقولوا لذلك الكسف من السماء الساقط : هذا سحاب مركوم ، يعني بقوله " مركوم " : بعضه على بعض .
وإنما عنى بذلك جل ثناؤه المشركين من
قريش الذين سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الآيات ، فقالوا له : (
لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا ) . . . إلى قوله ( علينا كسفا ) فقال الله لنبيه
محمد - صلى الله عليه وسلم - : وإن ير هؤلاء المشركون ما سألوا من الآيات ، فعاينوا كسفا من السماء ساقطا ، لم ينتقلوا عما هم عليه من التكذيب ، ولقالوا : إنما هذا سحاب بعضه فوق بعض ، لأن الله قد حتم عليهم أنهم لا يؤمنون .
كما حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة يقولوا (
سحاب مركوم ) يقول : لا يصدقوا بحديث ، ولا يؤمنوا بآية .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله (
وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم ) قال : حين سألوا الكسف قالوا : أسقط علينا كسفا من السماء إن كنت من الصادقين ; قال : يقول : لو أنا فعلنا لقالوا : سحاب مركوم .
[ ص: 486 ]
وقوله (
فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون ) يقول - تعالى ذكره - لنبيه
محمد - صلى الله عليه وسلم - : فدع يا
محمد هؤلاء المشركين حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يهلكون ، وذلك عند النفخة الأولى .
واختلفت القراء في قراءة قوله : ( فيه يصعقون ) فقرأته عامة قراء الأمصار سوى
عاصم بفتح الياء من يصعقون ، وقرأه
عاصم ( يصعقون ) بضم الياء ، والفتح أعجب القراءتين إلينا ، لأنه أفصح اللغتين وأشهرهما ، وإن كانت الأخرى جائزة ، وذلك أن العرب تقول : صعق الرجل وصعق ، وسعد وسعد .
وقد بينا معنى الصعق بشواهده ، وما قال فيه أهل التأويل فيما مضى بما أغنى عن إعادته .