القول في تأويل قوله تعالى : (
وما ينطق عن الهوى ( 3 )
إن هو إلا وحي يوحى ( 4 )
علمه شديد القوى ( 5 )
ذو مرة فاستوى ( 6 )
وهو بالأفق الأعلى ( 7 ) )
يقول - تعالى ذكره - : وما ينطق
محمد بهذا القرآن عن هواه (
إن هو إلا وحي يوحى )
[ ص: 498 ] يقول : ما هذا القرآن إلا وحي من الله يوحيه إليه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله (
وما ينطق عن الهوى ) : أي ما ينطق عن هواه (
إن هو إلا وحي يوحى ) قال : يوحي الله تبارك وتعالى إلى
جبرائيل ، ويوحي
جبريل إلى
محمد - صلى الله عليه وسلم - .
وقيل : عنى بقوله (
وما ينطق عن الهوى ) بالهوى .
وقوله (
علمه شديد القوى ) : يقول - تعالى ذكره - : علم
محمدا - صلى الله عليه وسلم - هذا القرآن
جبريل عليه السلام ، وعنى بقوله (
شديد القوى ) شديد الأسباب . والقوى : جمع قوة . كما الجثى : جمع جثوة ، والحبى : جمع حبوة . ومن العرب من يقول : القوى : بكسر القاف ، كما تجمع الرشوة رشا بكسر الراء ، والحبوة حبا . وقد ذكر عن العرب أنها تقول : رشوة بضم الراء ، ورشوة بكسرها ، فيجب أن يكون جمع من جمع ذلك رشا بكسر الراء على لغة من قال : واحدها رشوة ، وأن يكون جمع من جمع ذلك بضم الراء ، من لغة من ضم الراء في واحدها وإن جمع بالكسر من كان لغته من الضم في الواحدة ، أو بالضم من كان من لغته الكسر ; فإنما هو حمل إحدى اللغتين على الأخرى .
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله : (
علمه شديد القوى ) قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
علمه شديد القوى ) يعني
جبريل .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
حكام ، عن
أبي جعفر ، عن
الربيع (
علمه شديد القوى ) قال :
جبرائيل عليه السلام .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
مهران ، عن
أبي جعفر ، عن
الربيع ، مثله .
[ ص: 499 ]
وقوله : (
ذو مرة فاستوى ) اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : (
ذو مرة ) فقال بعضهم : معناه : ذو خلق حسن .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي قال : ثنا
أبو صالح قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس في قوله (
ذو مرة ) قال : ذو منظر حسن .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
ذو مرة فاستوى ) : ذو خلق طويل حسن .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : ذو قوة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى ; وحدثني
الحارث قال : ثني
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد (
ذو مرة فاستوى ) قال : ذو قوة
جبريل .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
مهران عن
سفيان (
ذو مرة ) قال : ذو قوة .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله : (
ذو مرة فاستوى ) قال : ذو قوة ، المرة : القوة .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
حكام عن
أبي جعفر عن
الربيع (
ذو مرة فاستوى )
جبريل عليه السلام .
وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : عنى بالمرة : صحة الجسم وسلامته من الآفات والعاهات . والجسم إذا كان كذلك من الإنسان ، كان قويا ، وإنما قلنا إن ذلك كذلك ، لأن المرة واحدة المرر ، وإنما أريد به : ذو مرة سوية . وإذا كانت المرة صحيحة ، كان الإنسان صحيحا . ومنه
[ ص: 500 ] قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=811029لا تحل الصدقة لغني ، ولا لذي مرة سوي " .
وقوله (
فاستوى وهو بالأفق الأعلى ) يقول : فاستوى هذا الشديد القوي وصاحبكم
محمد بالأفق الأعلى ، وذلك لما أسري برسول الله - صلى الله عليه وسلم - استوى هو
وجبريل عليهما السلام بمطلع الشمس الأعلى ، وهو الأفق الأعلى ، وعطف بقوله : " وهو " على ما في قوله : " فاستوى " من ذكر
محمد - صلى الله عليه وسلم - ، والأكثر من كلام العرب إذا أرادوا العطف في مثل هذا الموضع أن يظهروا كناية المعطوف عليه ، فيقولوا : استوى هو وفلان ، وقلما يقولون استوى وفلان ، وذكر الفراء عن بعض العرب أنه أنشده :
ألم تر أن النبع يصلب عوده ولا يستوي والخروع المتقصف
فرد الخروع على ما في يستوي من ذكر النبع ، ومنه قول الله (
أئذا كنا ترابا وآباؤنا ) فعطف بالآباء على المكنى في ( كنا ) من غير إظهار " نحن " ، فكذلك قوله (
فاستوى وهو ) ، وقد قيل : إن المستوي : هو
جبريل ، فإن كان ذلك كذلك ، فلا مؤنة في ذلك ، لأن قوله ( وهو ) من ذكر اسم
جبريل ، وكأن قائل ذلك وجه معنى قوله ( فاستوى ) : أي ارتفع واعتدل .
[ ص: 501 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
حكام ، عن
أبي جعفر ، عن
الربيع (
ذو مرة فاستوى )
جبريل عليه السلام وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
وهو بالأفق الأعلى ) والأفق : الذي يأتي منه النهار .
حدثنا
ابن عبد الأعلى قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
الحسن في قوله (
وهو بالأفق الأعلى ) قال : بأفق المشرق الأعلى بينهما .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
حكام ، عن
أبي جعفر ، عن
الربيع (
وهو بالأفق الأعلى ) يعني
جبريل .
قال : ثنا
مهران ، عن
أبي جعفر ، عن
الربيع (
وهو بالأفق الأعلى ) قال : السماء الأعلى ، يعني
جبريل عليه السلام .