القول في تأويل قوله تعالى : (
أفرأيتم اللات والعزى ( 19 )
ومناة الثالثة الأخرى ( 20 )
ألكم الذكر وله الأنثى ( 21 )
تلك إذا قسمة ضيزى ( 22 ) )
يقول - تعالى ذكره - : أفرأيتم أيها المشركون اللات ، وهي من " الله " ألحقت فيه التاء فأنثت ، كما قيل " عمرو " للذكر ، وللأنثى : عمرة ; وكما قيل للذكر : عباس ، ثم قيل للأنثى : عباسة ، فكذلك سمى المشركون أوثانهم بأسماء الله - تعالى ذكره وتقدست أسماؤه - ، فقالوا من الله اللات ، ومن العزيز العزى ; وزعموا أنهن بنات الله ، تعالى الله عما يقولون وافتروا ، فقال جل ثناؤه لهم : أفرأيتم أيها
الزاعمون أن اللات والعزى ومناة الثالثة بنات الله (
ألكم الذكر ) يقول : أتختارون لأنفسكم الذكر من الأولاد وتكرهون لها الأنثى ، وتجعلون له الأنثى التي لا ترضونها لأنفسكم ، ولكنكم تقتلونها كراهة منكم لهن .
واختلفت القراء في قراءة قوله : ( اللات ) فقرأته عامة قراء الأمصار بتخفيف التاء على المعنى الذي وصفت . وذكر أن اللات بيت كان بنخلة تعبده قريش . وقال بعضهم : كان بالطائف .
ذكر من قال ذلك :
[ ص: 523 ]
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
أفرأيتم اللات والعزى ) أما اللات فكان
بالطائف .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد في قوله (
أفرأيتم اللات والعزى ) قال : اللات بيت كان بنخلة تعبده
قريش .
وقرأ ذلك
ابن عباس ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=12045وأبو صالح " اللات " بتشديد التاء وجعلوه صفة للوثن الذي عبدوه ، وقالوا : كان رجلا يلت السويق للحاج; فلما مات عكفوا على قبره فعبدوه .
ذكر الخبر بذلك عمن قاله :
حدثنا
ابن بشار قال : ثنا
عبد الرحمن قال : ثنا
سفيان ، عن
منصور ، عن
مجاهد أفرأيتم اللات والعزى قال : كان يلت السويق للحاج ، فعكف على قبره .
قال : ثنا
مؤمل قال : ثنا
سفيان ، عن
منصور ، عن
مجاهد أفرأيتم اللات قال : اللات : كان يلت السويق للحاج .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
منصور ، عن
مجاهد " اللات " قال : كان يلت السويق فمات ، فعكفوا على قبره .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
جرير ، عن
منصور ، عن
مجاهد في قوله " اللات " قال : رجل يلت للمشركين السويق ، فمات فعكفوا على قبره .
حدثنا
أحمد بن هشام قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16527عبيد الله بن موسى ، عن
إسرائيل ، عن
أبي صالح في قوله : " اللات " قال : اللات : الذي كان يقوم على آلهتهم ، يلت لهم السويق ، وكان
بالطائف .
حدثني
أحمد بن يوسف قال : ثنا
أبو عبيد قال : ثنا
عبد الرحمن ، عن
أبي الأشهب ، عن
أبي الجوزاء عن
ابن عباس قال : كان يلت السويق للحاج .
[ ص: 524 ]
وأولى القراءتين بالصواب عندنا في ذلك قراءة من قرأه بتخفيف التاء على المعنى الذي وصفت لقارئه كذلك لإجماع الحجة من قراء الأمصار عليه .
وأما العزى فإن أهل التأويل اختلفوا فيها ، فقال بعضهم : كانت شجرات يعبدونها .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن بشار قال : ثنا
مؤمل قال : ثنا
سفيان ، عن
منصور ، عن
مجاهد ( والعزى ) قال : العزى : شجيرات .
وقال آخرون : كانت العزى حجرا أبيض .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
يعقوب ، عن
جعفر ، عن
سعيد بن جبير قال ( العزى ) : حجرا أبيض .
وقال آخرون : كان بيتا
بالطائف تعبده
ثقيف .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله ( والعزى ) قال : العزى : بيت بالطائف تعبده ثقيف .
وقال آخرون : بل كانت ببطن نخلة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
ومناة الثالثة الأخرى ) قال : أما مناة فكانت بقديد ، آلهة كانوا يعبدونها ، يعني اللات والعزى ومناة .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله (
ومناة الثالثة الأخرى ) قال : مناة بيت كان بالمشلل يعبده
بنو كعب .
[ ص: 525 ]
واختلف أهل العربية في وجه الوقف على اللات ومناة ، فكان بعض نحويي
البصرة يقول : إذا سكت قلت " اللات " ، وكذلك مناة تقول : " منات " .
وقال : قال بعضهم : اللات ، فجعله من اللت ; الذي يلت ولغة للعرب يسكتون على ما فيه الهاء بالتاء يقولون : رأيت طلحت ، وكل شيء مكتوب بالهاء فإنها تقف عليه بالتاء ، نحو " نعمة ربك " "وشجرة " . وكان بعض نحويي
الكوفة يقف على اللات بالهاء " أفرأيتم اللاه " وكان غيره منهم يقول : الاختيار في كل ما لم يضف أن يكون بالهاء " رحمة من ربي " ، " وشجرة تخرج " ، وما كان مضافا فجائز بالهاء والتاء ، فالتاء للإضافة ، والهاء لأنه يفرد ويوقف عليه دون الثاني ، وهذا القول الثالث أفشى اللغات وأكثرها في العرب وإن كان للأخرى وجه معروف . وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل
البصرة يقول : " اللات والعزى ومناة الثالثة " : أصنام من حجارة كانت في جوف
الكعبة يعبدونها .
وقوله (
ألكم الذكر وله الأنثى ) يقول : أتزعمون أن لكم الذكر الذي ترضونه ، ولله الأنثى التي لا ترضونها لأنفسكم (
تلك إذا قسمة ضيزى ) يقول جل ثناؤه : قسمتكم هذه قسمة جائرة غير مستوية ، ناقصة غير تامة ، لأنكم جعلتم لربكم من الولد ما تكرهون لأنفسكم ، وآثرتم أنفسكم بما ترضونه ، والعرب تقول : ضزته حقه بكسر الضاد ، وضزته بضمها فأنا أضيزه وأضوزه ، وذلك إذا نقصته حقه ومنعته ، وحدثت عن
nindex.php?page=showalam&ids=12078معمر بن المثنى قال : أنشدني
الأخفش :
فإن تنأ عنا ننتقصك وإن تغب فسهمك مضئوز وأنفك راغم
[ ص: 526 ]
ومن العرب من يقول : ضيزى بفتح الضاد وترك الهمز فيها; ومنهم من يقول : ضأزى بالفتح والهمز ، وضؤزى بالضم والهمز ، ولم يقرأ أحد بشيء من هذه اللغات . وأما الضيزى بالكسر فإنها فعلى بضم الفاء ، وإنما كسرت الضاد منها كما كسرت من قولهم : قوم بيض وعين ، وهي " فعل " لأن واحدها بيضاء وعيناء ليؤلفوا بين الجمع والاثنين والواحد ، وكذلك كرهوا ضم الضاد من ضيزى ، فتقول : ضوزى ، مخافة أن تصير بالواو وهي من الياء . وقال
الفراء : إنما قضيت على أولها بالضم ، لأن النعوت للمؤنث تأتي إما بفتح ، وإما بضم ، فالمفتوح : سكرى وعطشى والمضموم : الأنثى والحبلى ; فإذا كان اسما ليس بنعت كسر أوله ، كقوله (
وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ) كسر أولها ، لأنها اسم ليس بنعت ، وكذلك الشعرى كسر أولها ، لأنها اسم ليس بنعت .
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله (
قسمة ضيزى ) قال أهل التأويل ، وإن اختلفت ألفاظهم بالعبارة عنها ، فقال بعضهم : قسمة عوجاء .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى ; وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد قوله (
تلك إذا قسمة ضيزى ) قال : عوجاء .
وقال آخرون : قسمة جائرة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
تلك إذا قسمة ضيزى ) يقول : قسمة جائرة .
[ ص: 527 ]
حدثنا
محمد بن عبد الأعلى قال : ثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة (
قسمة ضيزى ) قال : قسمة جائرة .
حدثنا
محمد بن حفص أبو عبيد الوصائي قال : ثنا
ابن حميد قال : ثنا
ابن لهيعة ، عن
ابن عمرة ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس في قوله : (
تلك إذا قسمة ضيزى ) قال : تلك إذا قسمة جائرة لا حق فيها .
وقال آخرون : قسمة منقوصة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان (
تلك إذا قسمة ضيزى ) قال : منقوصة .
وقال آخرون : قسمة مخالفة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله (
تلك إذا قسمة ضيزى ) قال : جعلوا لله تبارك وتعالى بنات ، وجعلوا الملائكة لله بنات ، وعبدوهم ، وقرأ (
أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين وإذا بشر ) . . . الآية ، وقرأ (
ويجعلون لله البنات ) . . . إلى آخر الآية ، وقال : دعوا لله ولدا ، كما دعت
اليهود والنصارى ، وقرأ (
كذلك قال الذين من قبلهم ) قال : والضيزى في كلام العرب : المخالفة ، وقرأ (
إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ) .