القول في تأويل قوله تعالى : (
كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر ( 9 )
فدعا ربه أني مغلوب فانتصر ( 10 ) )
وهذا وعيد من الله - تعالى ذكره - ، وتهديد للمشركين من
أهل مكة وسائر من أرسل إليه رسوله
محمدا - صلى الله عليه وسلم - على تكذيبهم إياه ، وتقدم منه إليهم إن هم لم ينيبوا من تكذيبهم إياه ، أنه محل بهم ما أحل بالأمم الذين قص قصصهم في هذه
[ ص: 576 ] السورة من الهلاك والعذاب ، ومنج نبيه
محمدا والمؤمنين به ، كما نجى من قبله الرسل وأتباعهم من نقمه التي أحلها بأممهم ، فقال جل ثناؤه لنبيه
محمد - صلى الله عليه وسلم - : كذبت يا
محمد - قبل هؤلاء الذين كذبوك من قومك ، الذين إذا رأوا آية أعرضوا وقالوا سحر مستمر -
قوم نوح ، فكذبوا عبدنا
نوحا إذ أرسلناه إليهم ، كما كذبتك
قريش إذ أتيتهم بالحق من عندنا وقالوا : هو مجنون وازدجر ، وهو افتعل من زجرت ، وكذا تفعل العرب بالحرف إذا كان أوله زايا صيروا تاء الافتعال منه دالا ، من ذلك قولهم : ازدجر من زجرت ، وازدلف من زلفت ، وازديد من زدت .
واختلف أهل التأويل في المعنى الذي زجروه ، فقال بعضهم : كان زجرهم إياه أن قالوا : استطير جنونا .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن بشار قال : ثنا
يحيى ، عن
سفيان ، عن
منصور ، عن
مجاهد (
وقالوا مجنون وازدجر ) قال : استطير جنونا .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
منصور ، عن
مجاهد ، مثله .
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى ; وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد قوله ( وازدجر ) قال : استطير جنونا .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى قال : ثنا
محمد بن جعفر قال : ثنا
شعبة ، عن
الحكم ، عن
مجاهد في هذه الآية (
وقالوا مجنون وازدجر ) قال : استعر جنونا .
حدثني
موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15945زيد بن الحباب قال : وأخبرني
شعبة بن الحجاج ، عن
الحكم ، عن
مجاهد ، مثله .
[ ص: 577 ]
وقال آخرون : بل كان زجرهم إياه وعيدهم له بالشتم والرجم بالقول القبيح .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله (
وقالوا مجنون وازدجر ) قال : اتهموه وزجروه وأوعدوه لئن لم يفعل ليكونن من المرجومين ، وقرأ (
لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين ) .
وقوله (
فدعا ربه أني مغلوب فانتصر ) يقول - تعالى ذكره - : فدعا
نوح ربه : إن قومي قد غلبوني ، تمردوا وعتوا ، ولا طاقة لي بهم ، فانتصر منهم بعقاب من عندك على كفرهم بك .