القول في تأويل قوله تعالى : (
كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر ( 18 )
إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر ( 19 )
تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر ( 20 )
فكيف كان عذابي ونذر ( 21 ) )
يقول - تعالى ذكره - : كذبت أيضا
عاد نبيهم
هودا - صلى الله عليه وسلم - فيما أتاهم به عن الله ، كالذي كذبت
قوم نوح ، وكالذي كذبتم معشر
قريش نبيكم
محمدا - صلى الله عليه وسلم - وعلى جميع رسله ، (
فكيف كان عذابي ونذر ) يقول : فانظروا معشر كفرة
قريش بالله كيف كان عذابي إياهم ، وعقابي لهم على كفرهم بالله ، وتكذيبهم رسوله هودا وإنذاري بفعلي بهم ما فعلت من سلك طرائقهم ، وكانوا على مثل ما كانوا عليه من التمادي في الغي والضلالة .
وقوله (
إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا ) يقول - تعالى ذكره - : إنا بعثنا على
عاد إذ تمادوا في طغيانهم وكفرهم بالله ريحا صرصرا ، وهي الشديدة العصوف في برد ، التي لصوتها صرير ، وهي مأخوذة من شدة صوت هبوبها إذا سمع فيها كهيئة قول القائل : صر ، فقيل منه : صرصر ، كما قيل : فكبكبوا فيها ، من فكبوا ، ونهنهت من نههت .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله ( ريحا صرصرا ) قال : ريحا باردة .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله (
إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا ) والصرصر : الباردة .
[ ص: 586 ]
حدثنا
ابن عبد الأعلى قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة قال : الصرصر : الباردة .
حدثت عن
الحسين قال : سمعت
أبا معاذ يقول : ثنا
عبيد قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله (
ريحا صرصرا ) باردة .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان (
ريحا صرصرا ) قال : شديدة ، والصرصر : الباردة .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله (
ريحا صرصرا ) قال : الصرصر : الشديدة .
وقوله (
في يوم نحس مستمر ) يقول : في يوم شر وشؤم لهم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن عبد الأعلى قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة قال : النحس : الشؤم .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله (
في يوم نحس ) قال النحس : الشر (
في يوم نحس ) في يوم شر .
وقد تأول ذلك آخرون بمعنى شديد ، ومن تأول ذلك كذلك فإنه يجعله من صفة اليوم ، ومن جعله من صفة اليوم ، فإنه ينبغي أن يكون قراءته بتنوين اليوم ، وكسر الحاء من النحس ، فيكون (
في يوم نحس ) كما قال جل ثناؤه (
في أيام نحسات ) ولا أعلم أحدا قرأ ذلك كذلك في هذا الموضع ، غير أن الرواية التي ذكرت في تأويل ذلك عمن ذكرت عنه على ما وصفنا تدل على أن ذلك كان قراءة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني
[ ص: 587 ] أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله (
في يوم نحس ) قال : أيام شداد .
وحدثت عن
الحسين قال : سمعت
أبا معاذ يقول : ثنا
عبيد قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله (
في يوم نحس ) يوم شديد .
وقوله ( مستمر ) يقول : في يوم شر وشؤم ، استمر بهم البلاء والعذاب فيه إلى أن وافى بهم جهنم .
كما حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
في يوم نحس مستمر ) يستمر بهم إلى نار جهنم .
وقوله (
تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر ) يقول : تقتلع الناس ثم ترمي بهم على رءوسهم ، فتندق رقابهم ، وتبين من أجسامهم .
كما حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق قال : لما هاجت الريح قام نفر من
عاد سبعة شماليا ، منهم ستة من أشد
عاد وأجسمها ، منهم
عمرو بن الحلي والحارث بن شداد والهلقام وابنا
تيقن وخلجان بن أسعد ، فأدلجوا العيال في شعب بين جبلين ، ثم اصطفوا على باب الشعب ليردوا الريح عمن بالشعب من العيال ، فجعلت الريح تخفقهم رجلا رجلا فقالت امرأة من
عاد :
ذهب الدهر بعمرو ب ن حلي والهنيات ثم بالحارث والهل
قام طلاع الثنيات والذي سد علينا الر
يح أيام البليات
حدثنا
العباس بن الوليد البيروتي قال : أخبرني أبي ، قال : ثني
إسماعيل بن عياش ، عن
محمد بن إسحاق قال : لما هبت الريح قام سبعة من
عاد ، فقالوا : نرد الريح ، فأتوا فم الشعب الذي يأتي منه الريح ، فوقفوا عليه ، فجعلت
[ ص: 588 ] الريح تهب ، فتدخل تحت واحد واحد ، فتقتلعه من الأرض فترمي به على رأسه ، فتندق رقبته ، ففعلت ذلك بستة منهم ، وتركتهم كما قال الله (
أعجاز نخل منقعر ) وبقي الخلجان فأتى
هودا فقال : يا
هود ما هذا الذي أرى في السحاب كهيئة البخاتي؟ قال : تلك ملائكة ربي ، قال : ما لي إن أسلمت ؟ قال : تسلم ، قال : أيقيدني ربك إن أسلمت من هؤلاء؟ فقال : ويلك أرأيت ملكا يقيد جنوده؟ فقال : وعزته لو فعل ما رضيت . قال : ثم مال إلى جانب الجبل ، فأخذ بركن منه فهزه ، فاهتز في يده ، ثم جعل يقول :
لم يبق إلا الخلجان نفسه
يا لك من يوم دهاني أمسه بثابت الوطء شديد وطسه
لو لم يجئني جئته أحسه
قال : ثم هبت الريح فألحقته بأصحابه .
حدثني
محمد بن إبراهيم قال : ثنا
مسلم بن إبراهيم قال : ثنا
نوح بن قيس قال : ثنا
محمد بن سيف ، عن
الحسن قال : لما أقبلت الريح قام إليها
قوم عاد ، فأخذ بعضهم بأيدي بعض كما تفعل الأعاجم ، وغمزوا أقدامهم في الأرض وقالوا : يا
هود من يزيل أقدامنا عن الأرض إن كنت صادقا ، فأرسل الله عليهم الريح فصيرتهم كأنهم أعجاز نخل منقعر .
حدثني
محمد بن إبراهيم قال : ثنا
مسلم قال : ثنا
نوح بن قيس قال : ثنا
أشعث بن جابر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16128شهر بن حوشب ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : إن كان الرجل من
قوم عاد ليتخذ المصراعين من حجارة ، لو اجتمع عليها خمسمئة من هذه الأمة لم يستطيعوا أن يحملوها ، وإن كان الرجل منهم ليغمز قدمه في الأرض ، فتدخل في الأرض ، وقال : كأنهم أعجاز نخل ; ومعنى الكلام : فيتركهم كأنهم أعجاز نخل منقعر ، فترك ذكر فيتركهم استغناء بدلالة الكلام
[ ص: 589 ] عليه . وقيل : إنما شبههم بأعجاز نخل منقعر ، لأن رءوسهم كانت تبين من أجسامهم ، فتذهب لذلك رقابهم ، وتبقى أجسادهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
الحسن بن عرفة قال : ثنا
خلف بن خليفة ، عن
هلال بن خباب عن
مجاهد في قوله (
كأنهم أعجاز نخل منقعر ) قال : سقطت رءوسهم كأمثال الأخبية ، وتفردت ، أو وتفرقت أعناقهم وقال "
أبو جعفر : أنا أشك " ، فشبهها بأعجاز نخل منقعر .
حدثني
محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله (
تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر ) قال : هم
قوم عاد حين صرعتهم الريح ، فكأنهم فلق نخل منقعر (
فكيف كان عذابي ونذر ) يقول - تعالى ذكره - : فانظروا يا معشر
كفار قريش ، كيف كان عذابي
قوم عاد ، إذ كفروا بربهم ، وكذبوا رسوله ، فإن ذلك سنة الله في أمثالهم ، وكيف كان إنذاري بهم من أنذرت .